كان فيلما أجنبياً، وكانت البطلة زوجة ضعيفة يعاملها زوجها كجلاد ويقيد حريتها فلا تخطو خطوة واحدة إلا معه وبأمره، وكان يعيدها صاغرة، لو حاولت الفرار ليزيد من جرعة الرعب والقسوة.. كانت تتمنى موته، وذات يوم، وجدته ميتا في فراشه فجأة، فلم تصدق أنها حصلت أخيراً على حريتها... بدأت تأكل ماتريد وتلبس ماترغب وتصاحب من يحلو لها ففشلت في استغلال حريتها وتعرضت لضغوط جلادين وطامعين من انواع مختلفة..اكتشفت المرأة انها لاتزال سجينة ضعفها وخوفها من شبح الجلاد، فقررت ان تنتحر، هربا من الحرية!!
كنا مثل تلك المرأة..عانينا من الرعب والقسوة وفجأة، وجدنا انفسنا خارج قفص الجلاد وادركنا انه مات فعلا وحصلنا على حريتنا اخيرا، فهل نجحنا في استغلالها بعد طول انتظار لها..في البداية مارسناها بسلبية شديدة ربما لأننا لم نعتد الحرية فانغمس بعض منا في لذة " فرهدة " أموال الدولة واقتنى البعض الاخر ماكان ممنوعا عليه في فترة الكبت.. وهناك من مارسها بايجابية وحاول ان يخلق واقعا جديدا بالتظاهر والمطالبة بالتغيير الحقيقي والكتابة الحرة واخيرا السعي الى ممارسة نعمة الانتخابات بحماس فلم تكن ساحة المعركة الجديدة مع عدو خارجي بل كانت داخل انفسنا.. كان علينا ان نهزم الخوف ونقول كلمتنا لكن حريتنا بقيت منقوصة ومشروطة منذ ان ارتضى العديد منا بالمسلمات الجاهزة دون التفكير باستقلالية ووعي فهناك من انتخب ما اشارت به المرجعية الدينية وهناك من ركض خلف لواء حزب اعتقد انه سيمثله بناءً على ايمان ديني او عرقي او طائفي، أما من احتفظ بأحلامه الوردية ببناء دولة ديمقراطية فلم تكن له حظوظ تذكر في الانتخابات لأنها تحولت من جديد الى ساحة معركة يسودها العنف ويلطخها الدم، وما ان اعتلى الفائزون كراسي الحكم حتى اكتشف الشعب كم أنه كان مخدوعا لأن قادته الذين انتخبهم صاروا يحكمون باتباع الخداع لا المبادئ الاخلاقية، وصارعلى الشعب الذي ادرك مدى خداعهم ان ينهي مفعوله ويختار غيرهم.. لكن الامر الغريب لدينا هو الرضى بالممكن والخوف من المجهول فنحن لانغير اماكن عملنا مهما عانينا فيها من متاعب لأن (اللي نعرفه احسن من اللي منعرفه) ونزوج بناتنا بناءً على المثل الشعبي (شين التعرفه افضل من زين الما تعرفه) ونتحمل العواقب الوخيمة لاختياراتنا السلبية... نحن نواصل رؤية الاشياء كماهي لاكما ينبغي ان تكون وهذه اقسى درجات السخرية لأن على الانسان لكي يكون انسانا حقيقيا الا يتنازل عن حريته الا نظير ميزة اكبر منها ستعود عليه بالفائدة –كما يقول روسو –فالسلام والاستقرار الذي يجب ان يوفره الحاكم لرعاياه نظير تنازلهم عن حريتهم أمر لاوجود له لدينا لذا نحن نشقى بحكامنا منذ زمن طويل وسبق ان عشنا تحت تهديد اطماعهم و طموحاتهم اللامشروعة وديكتاتوريتهم المقيتة وها نحن نعيش تحت تهديد جديد بالديكتاتورية.. ألسنا نفقد حريتنا اذن بعد ان تصورنا اننا حصلنا عليها.. هل سنصبح مثل تلك المرأة وننتحر هربا من الحرية وانتحارنا هو بالتأكيد اختيارنا لنفس الوجوه التي سلبتنا حريتنا ثانية، ام سنواصل قراءة كتاب مستقبلنا بانفسنا ومواصلة القراءة تعني ضرورة ان نقلب الصفحة..
الفرصة مازالت امامنا لنستخدم ارادتنا الخاصة دون مسلمات جاهزة او شعارات زائفة.. لندع حريتنا تقودنا هذه المرة حتى لو اخطأنا فالاعتراف بالخطأ اسهل بكثير من التنازل عن الحرية!!
هرباً من الحرية
[post-views]
نشر في: 29 نوفمبر, 2013: 09:01 م