اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > الخانات .. الإطلالة الأولى لظهور الفنادق لخدمة وحماية الحجيج والزائرين

الخانات .. الإطلالة الأولى لظهور الفنادق لخدمة وحماية الحجيج والزائرين

نشر في: 30 نوفمبر, 2013: 09:01 م

لكل شيء بداية تلحقه نهاية، وبدايتنا ولادة ونهاياتنا موت، بذور تزرع لمناجل تتأهب للحصاد، لتحل بذرة أخرى من اجل عيون فصل جديد، ، شروق و غروب، و و و و و و و الكثير من الأمثلة والدلائل التي تفرض مجساتها على هذا الكون الكبير ، وعلى حياتنا الممتلئة بالتناق

لكل شيء بداية تلحقه نهاية، وبدايتنا ولادة ونهاياتنا موت، بذور تزرع لمناجل تتأهب للحصاد، لتحل بذرة أخرى من اجل عيون فصل جديد، ، شروق و غروب، و و و و و و و الكثير من الأمثلة والدلائل التي تفرض مجساتها على هذا الكون الكبير ، وعلى حياتنا الممتلئة بالتناقضات التي يفرضها دوران عجلة الحياة الذي لا يتوقف.
سأبتعد عن هذا الجدل الذي لا ينتهي  حتى لا تتشظى مفردات وغايات موضوعي، الذي اجبرني على تناوله مكان معلوم في صحراء بين محافظتين معلومتين في بلدي، ألا وهو خان النص الواقع بين محافظتي النجف وكربلاء، وسمي بالنص كما تؤكد جميع الدراسات والمصادر لكونه يقع تماما في منتصف الطريق الفاصل بين  تلك المحافظتين، زرناه انا والزميل العزيز ادهم يوسف وتعرفنا عن قرب لما لهذا الخان من ذكريات حزن وفرح بذاكرة الفراتيين من أبناء محافظتي النجف وكربلاء، وقبل الدخول في تفاصيل حياة ذلك الخان  سنبحر تأريخيا لمعرفة مبررات وجود تلك الخانات ومتى بدأت الولادة، وهل الفنادق الحالية هي الوريث الشرعي لها؟
ذكرها في القرآن
الخانات التي أصبحت في مابعد الفنادق لم تكن وليدة اليوم او الأمس لسلوك فردي او مبادرة من سلطان بقدر ما كانت تشريعات سماوية أكدت عليها اغلب الأديان ،لضرورتها في تنظيم الحياة الاجتماعية فكان وجودها مع بزوغ فجر الاسلام، وهذا ما جعل الإمام الطبري ان يفسر الآية الكريمة (29)من سورة النور بقوله تعالى (ليس عليكم جناح ان تدخلوها بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم)يا أيها الناس ليس عليكم إثم او حرج ان تدخلوا بيوتا لا ساكن بها بغير استئذان، ثم اختلفوا في ذلك، أيّ البيوت عنى؟ فقال بعضهم: عنى بها الخانات والبيوت المبنية بالطرق التي ليس بها سكان معروفون، وإنما بُنيت لمارَّة الطريق والسابلة، ليأووا إليها، ويُؤووا إليها أمتعتهم، بحسب قول الطبري، ومن خلال ما ذكرناه ان الخانات لم تكن وليدة اليوم و إنما حاجة فرضتها الشريعة الاسلامية لتنظيم الحياة الاجتماعية للدولة.
أصل تسمية الخان
الخان هو حانوت أو محل نزول المسافرين، وقال في المنجد (الخان) كلمة دخيلة أعجمية أدخلت في كلام العرب والجمع خانات ،أما ابن منظور فيقول يعني بكلمة الخان الحانوت أو صاحب الحانوت وهو أي الخان فارسي معرّب، وبالرغم من أعجمية كلمة الخان إلا أن لها تاريخ موغل في القدم في استعمالات العرب ،وعند تصفحنا لبعض الكتب نجد أنها وردت في كتاب الطبري وغيره من مؤرخي تلك الفترات ولعل استعمالها أبعد من ذلك بكثير إذ أن الطبري يوردها دون تفسير لمعناها، وهذا يدل على أن المتلقي يعرف بديهياً معنى الخان دونما تعريف لهذه الكلمة، وحتى عند الإنكليز(Inn) وهو يعني الفندق أو المنزل الذي يأوي إليه المسافرون، والبعض فسرها بمكان الاستراحة، وفي العراق الكثير من الخانات التي مازالت في الذاكرة وان درست كما يقول أستاذ التاريخ علي الراضي.
مناطق بأسماء الخانات
ويعدد الراضي العديد من الخانات المعروفة في العراق والعاصمة بغداد واشهرها كما يقول والذي اصبح مضربا للأمثال(خان جغان) وموقعه حاليا سوق العطارين و الذي شيده السلطان مراد عام 1590ميلادي،لكنه هدم عام 1929واصبح اسمه موضع تندر عند البغداديين للمكان الذي يكثر التردد عليه وكذلك للضيف الثقيل، وخان مخزوم  وخان دلة وموقعهما سوق البزازين، وخان المواصلة وهو جزء من المدرسة المستنصرية واستخدم لتجار الموصل ،وخان اللاوند في سوق الفضل، وخان الكعبري في الكاظمية، وخان باب السيف في ساحة الشهداء ،وخان مرجان في شارع الرشيد، والقائمة تطول كما يقول الراضي، مضيفا ان العراق يحتوي على العديد من الخانات المشهورة والمهمة ومنها ما اطلق اسمه على المنطقة التي شيد فيها مثل المحمودية نسبة لخان الشيخ محمود، وخان بني سعد، وخان خانقين، وخان ضاري وخان النص.
قضاء الحيدرية
دخلنا الخان عند منتصف النهار وتشير القطعة التي رفعت في منتصف الطريق بين محافظتي النجف وكربلاء الى قضاء الحيدرية، وهو الاسم الرسمي لمنطقة خان النص الذي انشأ في عهد الوالي العثماني  سليمان في عام 1774 كمحطة استراحة لزوار العتبات المقدسة ،وفي السابق محطة للقوافل التجارية القادمة الى العراق والخارجة منه
بني الخان على مجموعة من الايوانات ، يقيم فيها المسافرين (الزوار) وخاصة القادمين من إيران لزيارة العتبات المقدسة وحفاظا على أرواح وممتلكات الزوار بني الخان بشكل مغلق خلاصا من قطاع الطريق واللصوص فيتم دخول الخان من الباب الرئيسي ،ولقد بني بطراز عثماني استخدم فيه الطابوق الفرشي في تشييده وهناك ملاحق خاصة للخيول ولتكديس أمتعة المسافرين.
 طريقة تجمع العشائر
بين متوكل المكان حسين هاشم الروضان للمدى وهو المكلف بحراسة «خان النص» من قبل مديرية مفتشية آثار محافظة النجف: بعد بناء الخان الذي اصبح دار استراحة للحجيج والزائرين بات من المألوف ان يكون مركز استقطاب للعديد من القبائل القاطنة ما بين محافظتي النجف وكربلاء.وأول من سكن منطقة الخان أسر من عشائر كعب آل رحم آل عباس وآل جميل، آل الرماحي والسادة البوفريجة، الغريبات والسادة الميال، ثم تكاثر عدد الوافدين اليها الى ان اصبح عدد سكان منطقة الحيدرية الآن اكثر من 70 الف نسمة.
بمرور الوقت تجمع الناس حول الخان وسكن هذه المناطق بعض العشائر العربية وأصبحت اسمها اليوم ب قضاء ( الحيدرية ) التابع الى محافظة النجف الاشرف (160 كيلومترا جنوبي بغداد) . تاريخه يعود الى العام 1774 وهو تحفة تراثية جميلة. انه «خان النص» الذي شهد انتفاضة أبو كلل، وذاكرة أهالي الحيدرية، فضلاً عن أنه نقطة تجمع وشروع للمواكب الحسينية.

خان الانتفاضات
ولما حاز هذا الطريق مثل هذه الحركة النشيطة والفضل الجسيم فقد استقرت الفكرة على بناء منازل فيه وكما ذكرنا، وتشير الدراسات التاريخية إلى أن أول الخانات كان يدعى بـ(خان جذعان)، وهو يقع إلى الشرق من خان المُصلى على يسار الذاهب من النجف إلى كربلاء، ذكره الرحالة (الواموسيل) عام 1912م وأشار إليه بقوله: (تقع في شرق خان المُصلى قلعة درويش، وهو موقع غير بعيد عن خان جذعان وتليل الذيب).

يقترن اسم هذه المدينة بانتفاضة إسلامية باسلة (مدعومة من الحوزة العلمية) ضد حكومة البعث في عام 1977 ولقد ذهب الكثير من الشهداء كان من ضمنهم اطفال علما ان هذه الانتفاضة جاءت في اليوم الثاني بعد انتفاضة صفر وكانت الاناشيد تردد في تلك الفترة بـ ( قــدم النجـف أربـع فدائــية ، شرطـة البعـث شرطة جبانية) واليوم تحمل هذه المدينة كثير من المقابر الجماعية اثر انتفاضة ( شعبان ) اذار1991.
فندق مجاني
هناك رأيان فيما يخص الطريق بين كربلاء والنجف كما يبين الروضان للمدى وان الراي الأول يقول: أن الخانات المنتشرة والتي أشرنا إليها آنفاً هي مرتبة وفق حاجة المسافرين بصورة عامة دونما الأخذ بنظر الاعتبار اختصاصها بزائري المدينتين المقدستين دون غيرهما، وعليه فالزائر يأوي إليها أي الخانات مثلها مثل الفنادق اليوم التي ينزل بها الزائر، وهكذا حتى الوصول إلى النجف أو كربلاء.
والرأي الثاني كما يؤكد الروضان: انه فضلاً عن أهميته الاقتصادية كحارس لحفظ أموال المسلمين من اللصوص وقطاع الطرق فإن للخان أهمية تاريخية، فالخان يؤرشف حياة التأسيس لأهالي قضاء الحيدرية بعدما كانت المنطقة عبارة عن صحراء جرداء لا تسكنها غير طيور الخشاف قبل إنشاء الخان بحسب قوله.
من أرشيف الذاكرة
يقول الروضان ان الخان  شهد بدوره الأحداث التاريخية التي مر بها أهالي القضاء، ومنها ثورة العشرين ضد الاحتلال الانكليزي حيث اصبح الخان حينها نقطة تجمع لعشائر العراق للانطلاق صوب النجف وللمشاركة في القتال ضد الإستعمار البريطاني، وكان أهالي الحيدرية حينها يقومون بتوفير المأكل والمشرب والمنام للثوار. وعلى ارض الخان حدثت انتفاضة صفر في العام 1977 وذلك بمناسبة أربعينية الإمام الحسين (ع) ضد النظام الصدامي الذي قام حينها بتطويق الخان بالدبابات وقامت طائراته المروحية بالتحليق في سمائه ومن ثم الهجوم على الثوار مستخدمة العنف بأبشع الوانه، في تلك الانتفاضة سقط الكثير من الشهداء ومن سلم منهم نفسه اقتيد الى السجون والمحاكم الصورية وعلى اثرها تمت إقالة وزيرين من الحكومة آنذاك هما وزير الصحة عزة مصطفى والوزير فليح حسن الجاسم اثر اعتراضهما على الأحكام الصادرة وتمت تصفيتهما جسدياً بعد حين. وعثر في منطقة الخان على مقابر جماعية بعد انتفاضة عام 1977.
 مسيرة سلمية قمعها النظام
مبينا ان الانتفاضة بدأت حين سارت مسيرة سلمية وانقضت ليلتها الأولى في خان المصلى، ثم واصلت الدرب صباحاً وكان خان النصف محطتهم الثانية، وفيه علموا أن الحكومة سوف لن تمرر هذا التحدي بسلام، بل ستقتص منهم، وهكذا واصلوا المسير، وفي خان النخيلة واجهتهم القوات المسلحة بذخائرها وطائراتها وكأنها تواجه جيشاً عرمرماً متناسية أنهم فئات متنوعة من الشعب بين الشاب والشيخ والطفل، نساءً ورجالاً، فاحتدمت المواجهة، ومع ذلك فقد سجّل الأحرار العزّل انتصارات محدودة، وفي نهاية الأمر فقد استطاع الجيش إلقاء القبض على من بقي منهم في حين واصل بعضهم الطريق بين البساتين حتى دخل كربلاء، وقد أعدم على إثرها ثلة من الشهداء السعداء، نذكر منهم: السيد وهاب الطالقاني، محمد البلاغي، جاسم الإيرواني، نجاح المشهدي، غازي خوير، عباس عجينة، صاحب أبو كلل... وغيرهم.

إطعام وزواج
ويعد الخان كما يؤكد الشيخ محمد إمام حسينية الحيدرية اليوم دار استراحة للكثير من الزائرين سواء من النجف أو كربلاء أو من المحافظات الاخرى، وقد اصبح نقطة ارتكاز وشروع للمواكب الحسينية في أيام محرم والمناسبات الدينية الاخرى، مؤكدا بان هناك شعائر يواكب عليها اهالي الخان ورثوها عن أجدادهم وهي عزل كمية معينة من المواد الغذائية الجافة،كالأرز والعدس يومياً من غذائهم الخاص طيلة ايام السنة الى حين حلول شهر محرم الحرام حيث يقوم اهل المدينة بالطهو سنوياً وتقديم الطعام والشراب للزائرين القادمين للزيارة، كذلك يقوم الأهالي بإيواء الزوار في بيوتهم ليلاً بعدما اصبح الخان شبه مهجورا، وهذا ما خلق نوعاً من العلاقة الخاصة بين اهالي المدينة والزائرين من بعض المحافظات، وقد توطدت تلك العلاقات بعدما تولدت لديهم قناعات بمشاريع زواج بين زائر قادم من الجنوب وفتاة من أهالي الحيدرية وبالعكس.
 البعض يطالب بإزالته
الخان اليوم شبه مهجور الى درجة انه الخان الثالث في طريقه الى الانقراض وبعض الاواوين خربت والقسم الاكبر منها آيل للسقوط. دار آثار النجف قامت بترميم الباب الذي احرق والمدخل الرئيس للخان كما يقول الحارس، لكنها توقفت بعد شهر من بدء الترميم بذريعة عدم كفاية الموازنة المخصصة، هذا ما أبلغتنا به دار آثار النجف وهو تبرير لا يبدو مقنعاً ونعتقد ان هكذا أثراً يستحق اهتماماً أكبر، خان النص تحفة تراثية جميلة وعريقة ومهمة في ذاكرة العراقيين ومع ذلك لم نجد فيه غير حارس واحد جل همه انتظار مرتبه الشهري بعدما أصيب بالإحباط لأن شكاويه لم تصل الى ابعد من جدار الخان، ولم تبلغ بالتالي آذان المسؤولين عن هذا المعلم التاريخي. والأدهى قيام بعض الأطراف في بلدية المدينة بمخاطبة الدولة بشأن إزالة الخان بصور كاملة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د. شيرزاد

    مقل جيد ومسل ولكن ل افهم م علاقه الدين وإسلام واقهامة في كل شي. أماكن للاستراحة كانت موجودة قبل اكثر من ١٠٠٠ سنه من ض ضهور الاسلام في زمن اليونان والرومان والحضاره الفارسية وكما قلتم أنتم ان كلمه خان هذه فارسيه.

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram