TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > متعفّفو البصرة وإكسبو دبي

متعفّفو البصرة وإكسبو دبي

نشر في: 30 نوفمبر, 2013: 09:01 م

للذين ينشرون صور بعض النواب وهم يصطادون الناخب ببطانية أو مدفأة نفطية.. أو يحثون الخطى برحلة سمر إلى شارع المتنبي، أو الاشتراك بحملة " صورني وآني ما أدري".. ما رأيهم في الحملة الرسمية التي يشرف عليها رئيس مجلس الوزراء لمخاطبة احتياجات الفقراء.. ماذا يقولون عن هذا المزاد الذي يبث على الهواء مباشرة، وفيه يقايض السيد المالكي عوز الناس ومعاناتهم، بأنهار من العسل وبمدن تضاهي دبي وأبوظبي؟!
إنه المنطق ذاته: مقايضة الضعفاء على قيم العدالة الاجتماعية والرفاهية والاستقرار والأمان والحرية، بجسر من الوعود التي سرعان ما تتبخر بعد أن يتشكل البرلمان ويجلس البعض على كراسي الوزارة، منطق يعتمد على أحدث وأقوى آلات وبرامج العشوائية المنظمة فى كل أمور حياتنا، من السياسة إلى التعليم، حتى المجاري!
بالأمس باغتنا مولانا رئيس مجلس الوزراء بمفردات مبتكرة، مزيدة ومنقحة، من قاموسه الذي لا ينضب أبدا بما فيه من طرائف وعجائب، حيث قال: "إن من حق أي مواطن أن يحصل على سكن في العراق".
في كل خطاب للمالكي أسال نفسي لماذا تزدهر مدن العالم، فيما تتراجع أقضية ونواحي تغفو بيوتها العتيقة على بحيرات من الثروة؟ لأن أحداً لم يقرأ ذلك التعريف الجميل الذي وضعه صاحب التاريخ الحميم للإنسانية، تيودور زيلدن " أما الوطن فهو المسكن الذي لا يشترط فيه تفضيل مصالح الساسة على مصالح الناس … لا وطن في حالة النفاق والرياء..".
سيقول البعض كلاما كثيرا عن الإرهاب وتعطيل عملية البناء والفوضى السياسية، وهذا واقع، غير أن المسألة كما يبدو من مفردات الحالة الثورية التي ظهر بها السيد رئيس مجلس الوزراء خلال الأسابيع الماضية، تنبئ بأن جهدًا مراوغا يبذل لإعادة إنتاج نظرية جديدة تتحول فيها حقوق الناس إلى " مِنّة " يتفضل بها المسؤول، وأن هناك أصواتا تنشط هذه الأيام في محاولة تثبيت نغمة " الدفاع عن حقوق الفقراء "، في الوقت الذي يعلم الجميع أن هؤلاء أول من سلب من فقراء بغداد والبصرة والأنبار وصلاح الدين والناصرية، حقهم في العيش بكرامة وطمأنينة، والأهم حقهم في التمتع بثروات بلادهم.
بالأمس وأنا أتطلع إلى وجوه فقراء البصرة، لم أرَ سوى علائم الأسى والقهر، وجوه تخاف من الغد، فيما على مقربة منهم مدن تقطع المسافات من عصر إلى عصر، في قطار مذهب اسمه الاستقرار والعمران، ولا يشبه الاستقرار سوى نفوس مسؤولين قرروا ألا يسمحوا للفقر أن يبقى مقيماً في البيوت والشوارع.
طالما أُسأل: لماذا تكتب بإعجاب عن مدن مثل دبي وسنغافورة وكوالالمبور، وعن خلطة الرئيس البرازيلي السحرية التي حول فيها 160 مليون إنسان من الفقر المدقع إلى الرفاهية الاجتماعية وفي حدود ثماني سنوات فقط، لأن هناك ما يكتب عنه؟ تأملوا حياتنا، فعماذا نكتب؟ تأملوا معي السذاجة السياسية وغياب العدل والقانون، ورائحة الكذب التي تخرج من أفواه المسؤولين، عماذا نكتب؟ عن النجاح الأمني الذي حققته جماعة "ما ننطيها"؟! عن الذين يصرون على أن يحققوا لهم ولأهلهم كل شيء، ولم يحققوا أي شيء آخر للوطن؟ عن الدولة التي تخطف فيها المليارات في مشاريع فاشلة؟
على مرمى حجر من البصرة أغنى مدن العالم، تستقر مدينة دبي حيث يسابق حكامها العالم في التنمية والإعمار والازدهار.. أنظر إلى وجه المالكي يتحدث عن الإعمار وبناء البصرة الذي تأخر حسب قوله، وأتابع الأنباء التي تحدثنا عن تفوق حكام دبي على أنفسهم، وهم يضعون مدينتهم على خارطة المدن الأولى في العالم، التي تفوز بتضييف معرض "إكسبو 2020" تحت شعار "صنع المستقبل وتواصل العقول."
ليس خبراً عادياً، للمدينة التي كانت حتى عقود قليلة، مجرد ميناء صغير يبحث صيادوه عن العيش والرزق في البحر، واليوم يأتي إليها ويمرّ بها ملايين الزوار، وليس فيها نهر ولا جبل، ولا فيها دجلة أو الجنائن المعلقة وأور.
يكتب مهاتير محمد في مذكراته "لا تنمية من دون صدق النوايا. ولا ازدهار في خداع الناس بوعود مزيفة، ولامستقبل لحاكم يقايض شعبه على رفاهيتهم وحقوقهم".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. مواطن

    لست ادري , اغنيه للعندليب الراحل , كيف ابداء,عزائي هو قراءة مقالاتك , من يقودنا والى اين ,عيوني نص النواب ما سامعين ب مهاتير محمد

  2. الناصري

    لماذا ينظر السياسي العراقي إلى الشعب العراقي بأنه شعب متسول ويستحق الصدقه من اليد العليا مع إن الشعب كما الجميع يعرف هو صاحب الثروه وهو مصدر السلطه والقرار فلم تكون يد الشعب هي الدنيا واريد أسأل المالكي يعني إذا وزع قطع أراضي للفقراء الفقير من إين سيأتي ا

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram