TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > يوسف شاهين.. كتاب السينما

يوسف شاهين.. كتاب السينما

نشر في: 13 نوفمبر, 2009: 04:10 م

عوّاد ناصرعندما أطلق يوسف شاهين شريطه العاصف (العصفور) أحسسنا نحن النظارة، في العراق، والعالم العربي، بأنه واحد منا، لأنه مس أكثر أوتارنا حساسية: الهزيمة العربية ومقاومتها الفلسطينية من وجهة نظر خارج الإعلام العربي والشعار الرسمي المرفوع،
 بل انطوى الفيلم على ما يوقظ الحساسية العامة من سرير التخدير الذي أراد لنا أحمد سعيد، وجه الناصرية المهزومة، أن ننام على طوبياً، قبل أن يجيبه جمال عبد الناصر باستقالته الجريئة في سابقة (رئاسية) عربية لم يجرؤ علىها بعده غير العقيد السوداني سوار الذهب، وهما نادرتان رئاسيتان عربيتان لن تتكررا لاحقاً! كنا في بغداد، قد شاهدنا الفيلم وتعرفنا، بين ما تعرفنا علىه، ذلك الإيقاع الغريب الذي لا يشبه إيقاع حسن الإمام وبقية الرهط التقليدي في السينما المصرية. ثم تكررت، معرفتنا، بل دهشتنا، عندما حضرت الفنانة الكبيرة محسنة توفيق إلى بغداد، بعد عرض الفيلم، بداية السبعينيات، إلى أكاديمية الفنون الجميلة، وسط ترحيب حار من الحاضرين، بينما قدمها صادق الصائغ، لتتحدث عن تجربتها الشخصية في الفيلم، ثم غنت تلك الأغنة الشهيرة للشيخ إمام، وزميله الشاعر أحمد فؤاد نجم "يمّه مصر يا بهية" التي كانت تميمة الفيلم ومعها أغنيات أخر للثنائي الشهير. كنت حاضراً تلك الأمسية، بشغف السينما والشعر اللذين لا ينفصلان إذا كان الشاعر يلتقط بعدسته الشارع العام وما يمور به من أحداث وإحداثيات تنبع من الحياة اليومية التي تعصف في هذا الشارع، أو كان السينمائي يري إلي حالة العالم بعين شاعر: ما يختلف هو الأدوات واللغة فقط، سواء كانت "الثيمة" تتعلق بالقضية القومية فلسطين أو حياة بائع صحف عربي لم يجد شارياً لصحف كاذبة أسقطت آلاف الصواريخ على قصر سلمان سالازار (الرئيس الإسرائيلي أثناء حرب 1967)، وبين المانشيتات التي أتذكرها جيداً: "طائراتنا تدك تل أبيب"! اقتربت من السيدة الفنانة، محسنة توفيق، بعد نهاية الأمسية الجميلة، وعرفتها بنفسي، وتدخل الصائغ، بأريحية ذاك الزمان، ليعزز صورتي البسيطة: شاعر شاب يحب السينما والعراق وأغاني الشيخ إمام. سألتها سؤالاً اعتقده بسيطاً: لماذا لا تتجه السينما المصرية لإنتاج أشرطة من هذا النوع؟ قالت، وسط لغط الناس المتجمعين حولها: "يوه.. دي حكاية طويلة وصعبة قوي"! صافحتها، شاداً على يدها، إعجاباً، وبدأنا بمغادرة القاعة كل إلي سبيل. رحل يوسف شاهين لكن تركته من السينما تجيب على سؤال أساسي في الفن مفاده: كيف يتأتى لفنان أن يحظى بإجماع النخبة والجمهور العام.. وإن يكرم في أهم مهرجان للسينما في العالم (كان) الفرنسي ويتابع أعماله عمال "التراحيل" في مصر ومتسكعو ساحة الطيران في بغداد؟ يكمن الجواب في قوة الفن على الإقناع وقدرته الفائقة على الصدق. إن الفيلموغرافيا التي سجلت تاريخ الرجل، فناناً وإنساناً، من "بابا أمين" فيلمه الأول حتى "هي فوضي" وبينها أفلام سيرته الذاتية المسلسلة (اسكندريه ليه؟) مرورا بـ "الأرض" و "باب الحديد" و "الاختيار" و"المهاجر" نقلت السينما المصرية من الفيلم النمطي، المعروفة نهايته، إلي الفيلم المركب، كنص سينمائي مفعم بالمفاجآت واللامتوقع، على أن جميعها، بالنتيجة، هي سيرة حياة كما أن ثمة أفلاماَ أخري عديدة، كرست يوسف شاهين فناناً عالمياً، رغم تفاوت مستوياتها فنياً، أو تلك التي عبرت عن موقف آيديولوجي جوهره الموقف من الغرب ومسؤوليته عن مآسينا الشرقية أو العربية، لكن، بالنتيجة، استطاع هذا المخرج الفذ أن يغزو العالم بـ "عصفور". شهادات السينمائيين العالميين والممثلين والنقاد الغربيين أكدت وأعجبت بموهبته الكبيرة، وتنوع موضوعاته، وفكرته الإنسانية الداعية للتغيير والتسامح وتقريظ الإنسان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram