كنت الى قبل يومين مقتنعا بان "النواعي" من اختصاصنا نحن العراقيين فقط ولا ينافسنا بها منافس. كذلك كنت احسب ان "الكوالة" التي يعرفها أهل الجنوب جيدا قد توارثناها من أيام سومر اذ كانوا يسمونها "كاله" وانها من اختصاص نسائنا أيضا ويندر وجود مثيل لها في الشعوب الأخرى. أما مدينة العمارة التي يقال ان اسمها أيضا ذو جذور سومرية (أم – آرا)، أي ام البكاء، فلم يخطر ببالي ان أجد لها أختاً تشاطرها معنى الاسم في كل بقاع الأرض. سموها كذلك لأنها كانت البقعة التي يخرج بها عراقيو سومر ليشاطروا "أنانا" بكاءها ونحيبها على (دموزي) لمدة أربعين يوما. وفي واحد من أعمدتي الأخيرة كتبت عن "النواعي الحسينية" و حرارتها الخاصة لان لها جذورا متعمقة في الجينات والنفسية العراقية منذ القدم. لم يكن حديثي عن ا"لنواعي" من باب الفخر بل احسبها لوناً مهماً من الوان التراث الشعبي الذي اسهم بشكل كبير في إضفاء طابع الحزن على أغانينا العراقية وحتى على نفسياتنا أيضا. كنت أجد فيها واحداً من أسباب شغف العراقيين بالشعر والغناء الحزينين.
كل ذلك كان في بالي كما اليقين الى ان أتتني رسالة من باحث عراقي يسكن في ألبانيا بعد ان قرأ ما كتبته عن "النواعي". فاجأني بان "الكوالات" ظاهرة منتشرة في جنوب ألبانيا خاصة في مدينة او مقاطعة تدعى "جيروكاسترا". بعث لي بنماذج بالصورة والصوت وبحوث تاريخية عن المدينة. المفاجأة أنها تسمي "أم البكاء" مثل العمارة بالضبط. وان "الكوالة" الجيروكاسترية تلبس مثل العمارتلية وتنحب مثل نحيبها وتقود النساء الحزينات على موتاهن في مجموعات للطم. يلطمن ويصرخن "أوي – أوي". وان كنا في أمثالنا نذكر "حزن المعدان" كمثال على طول مدته وشدته فإن نساء جنوب ألبانيا يندبن موتاهن كل يوم أحد حتى لو مر على موتهم ثمانون عاماً. لا يندبن الاقرباء فقط بل حتى الغرباء من الموتى وقد يشاركهن الرجال والأطفال أيضا. يقول صاحب الرسالة انه في يوم الأحد من كل أسبوع لا يسمع بالمدينة غير صوت الناعيات والباكيات والضاربات على الصدور.
لا أدرى كيف اشكر هذا القارئ الباحث على معلوماته القيمة التي احتاج وقتاً لدراستها واحتاجه أيضا ليعينني في ترجمتها. لقد أغرتني الحالة الى البحث عن سر هذا التشابه الكبير بين نساء عمارتنا وأخواتهن في جيروكاسترا في دنيا النواعي واللطم والأحزان.
اترك لكم هذا الرابط لتسمعوا وتروا بأعينكم هذه "الناعية" من جنوب ألبانيا لتحكموا على شدة الشبه بينها وبين "الناعيات" في جنوبنا. وعذرا لو أبكاكم:
http://www.youtube.com/watch?v=ED8OJMc0LMY
الكوالات في ألبانيا
[post-views]
نشر في: 1 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 2
جوني وولكر
بحثت في الصين عن ماكنة عد الفلوس الورقية ... مرافقتي الصينية تحب تعلم بعض الكلمات العربية وعلمتها كلمة (عدادة ) واستدركت لاشرح لها المعنى الاخر لكلمة عدادة ولم تستغرب الامر وظهر ان الصينيين يستخدمون امرأءة مقابل مال لتنعي على الميت وتبكي النسوة معها على ن
ابو ياسر
الاستاذ هاشم العقابي : ياقريبا من القلب (لو اموت لو يرحن عيوني) ياطيب ...