TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العسكري.. و أبجد هوز الديمقراطية

العسكري.. و أبجد هوز الديمقراطية

نشر في: 1 ديسمبر, 2013: 09:01 م

لابد أن نصفق للنائب سامي العسكري، وهو يقول: أن لا أحد يمكن أن يملي قراراته على الناخب العراقي.
أنا شخصياً اصفق لكل ما يقوله السيد العسكري، وأعرف أن تدخلات دول الجوار، ومنها إيران، وخطر تقسيم العراق، وشبح الحرب الأهلية، وتضخم ملفات الفساد وهشاشة الأمن وغياب الخدمات، مجرّد هواجس في عقول البعض من أصحاب الأجندات الخارجية.. ولمن لا يتذكر فإن هذه الملفات الخطيرة انتهت في اللحظة التي جلس فيها السيد نوري المالكي على كرسيّ رئيس مجلس الوزراء.؟
يعرف السيد النائب جيدا أن ائتلاف دولة القانون منذ وصوله للحكم وأصحابه يحاربون مرة التيار الصدري، ومرة المجلس الأعلى، ومرات عدة العراقية، مرة علاقة خاصة مع أميركا، ومرة علاقة ودّ مع أعدائها، مرة شهر عسل مع إقليم كردستان، ومرة حرب بلا هوادة مع الأنبار، مرة يطبطبون على كتف صالح المطلك ويقبلونه من الوجنتين، ومرات يطالبون برجمه، مرة يقررون رمي العرب جميعا في بحر النسيان، ثم نصحوا على خطب المقربين وهم يرفعون شعار أمة عربية واحدة، لكن الذي لا تفهمه الناس لماذا لايزال سامي العسكري يعتقد بأننا شعب يعاني الأرق وينتظر على أحرّ من الجمر أن يحصل السيد نوري المالكي على ولاية ثالثة؟!
ربما لا يريد أن يعرف السيد العسكري أنه بالأمس القريب، وفي انتخابات مجالس المحافظات أدار أكثر من نصف العراقيين ظهورهم إلى السياسيين، والسبب لأنهم ملّوا من المطالبة بأبسط حقوقهم، في حين أصرّ أشاوس دولة القانون التأكيد على خطاب خيالي لا علاقة له بالواقع، وبدلا من أن يهتموا بالتنمية ورفع المستوى المعيشي للمواطنين.. أصبح همهم الوحيد إلقاء المواعظ والخطب الأخلاقية!
مثل ملايين العراقيين لا أملك أن أمنع أي سياسي من أن يترشح للانتخابات، مادامت الديمقراطية منحته هذا الحق، ولكن في معظم دول العالم نجد أن العديد من الساسة يمارسون فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ الذي يشكل اليوم جزءاً من نسيج الحكومات المتحضرة.
لعل هناك سؤال مهم يجب أن يواجهه معظم ساستنا، وهو لماذا يعتبرون ورقة الانتخابات كأنها صك تنازل يقدمه المواطن للسياسي.. اليوم تتحول لدينا صناديق الانتخابات من وسيلة تغيير إلى وسيلة لاستمرار نفس الوجوه القديمة ، وهذا مأزق الديمقراطية العراقية.. فالجميع مؤمن بأن الصناديق هي نهاية المطاف.. ونراهم بدلا من تأسيس دولة مؤسسات مستمدة شرعيتها من الناخبين ، يسعون إلى تأسيس إقطاعيات سياسية مستمدة قوتها وتسلطها من نفس الصناديق.
السيد العسكري، الديمقراطية ليست تفويضًا أعمى كما يفهمها البعض، ولا تستمد وجودها من خطاب يهيم حبا وعشقا بالطائفية.. الناس ملّت من ديمقراطية الصناديق وتريد ديمقراطية العدالة الاجتماعية، ليست صناديق الاقتراع شكلا للحكم، ولكنها طريق لبناء دولة مستقرة. هكذا تعلمنا تجارب الشعوب الحية.. إنها كما قال جان جاك روسو: "قانون يحدد العلاقة بين الدولة والمجتمع، لا تتيح للدولة ابتلاع المجتمع ولا الاستحواذ على مصائر الناس".
المشكلة إذاً يا سيد سامي هي مع البعض الذين يريدون إعادة قوانين الاستبداد من خلال الصناديق.. وإفراغ الديمقراطية من مضمونها مثلما فعلت الكثير من الأنظمة المستبدة التي جاءت من خلال الانتخابات أيضا.
في النهاية الناس تريد صناديق انتخابات تأتي لها بمن يحب وطنه وشعبه، لا حزبه وعشيرته. من ينصرف منذ اليوم الأول إلى العمل، لا إلى ابتلاع مؤسسات الدولة. تريد سياسياً يعتبر أن الناس فازت بالانتخابات وليس هو واحبابه.
لماذا ينسى الذين يرفعون لواء الناخب أولاً كل المآسي التي مرت بها البلاد، أم أنّ مسارح الانتصارات والخطب الثورية ومحاولة صنع "المنقذ"، لا تعترف بالمآسي والكوارث التي تعيشها الناس كل يوم، لماذا بعد سنوات عجاف لا يزال البعض يرى أن خديعة الناخب، هي "أبجد هوز" الديمقراطية ويجب استغلالها إلى أقصى حد؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. الناصري

    يجب عليكم إيها الأعلاميين الاحرار في ظل هذه ألمرحله الحرجه تنبيه هذا الشعب المقهور إن سبب بلاءه هو نخبه سياسيه فاسده فاشله قاتله والسبب الثاني تدخل الجائره وليس الجاره إيران في العراق وتعاملها مع العراق كإحدى المحافظات التابعه لها متى ما عرف الشعب العراقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram