كيف كان وطبان وابنه (ما هي الصفة الرسمية أو الحزبية لهذا الابن، وأين هو؟) يتشاركان في حملات التعذيب الجماعي؟
لماذا يسرد العراقيون قصصهم الحزينة، أيام سلطة العرفاء الكيمياويين، بشكل مبتور؟
هل تنسخ الأحداث بعضها بعضاً، فيمحو جديدها قديمها؟
لماذا "لا يريد الماضي أن يمضي ملقياً كل ثقله على الحاضر بكل ثقافة العنف التي دامت خمسة وثلاثين عاماً.. الحاضر الذي سرق فيه الأفراد والجماعات عنف السلطة السابقة وتنازعوه بينهم، والمستقبل حيث يريد كل طرف أن يشكل الدولة، أو اللادولة، المقبلة على هواه"؟
هل الحاضر "سرق" أم "ورث" عنف الماضي من خلال "جينات" تتشكل في الروح والعقل، الباطن والظاهر، لا علاقة لها بالجينات الفسلجية؟
متى يشاهد "الرئيس القائد" حفلات التعذيب والقتل والتهجير المصورة على الفيديو.. خلال استراحة بين جريمة وجريمة أم كانت عينه على الشريط المعروض وأخرى على عشيقته.. ولماذا يصورون له ما يرتكبونه من جرائم؟
ما الذي حدث في الزنزانة 23/ سجن الحاكمية؟
هذه عينة موجزة وعشوائية من الأسئلة التي يجيب، أو لا يجيب، عليها الكاتب والروائي العراقي زهير الجزائري، في كتابه "حرب العاجز – سيرة عائد، سيرة بلد".
يكتب الجزائري وعينه على الهاوية التي يوشك أن يسقط فيها الإنسان.. التي سقط فيها الإنسان، فعلاً.. التي سقط فيها الضحية.. التي سقط فيها الضحية والجلاد معاً، تلك الهاوية اسمها "العراق"!
شهادة حية، مؤثرة، مشوّقة، أمينة، يقدمها عاجز، أعزل، وهو يرى خراب بلده، عبر ذاكرة جامدة على صور وحكايات وأيام منزوعة من التقويم، بفعل الصمت المفروض على بلد بأكمله، أو حساسية جديدة يحملها "الخاسر" وهو يخوض حربه ضد الجميع: ماضي الفاشية الماثل بإرث لم يزل يتمشى في الشوارع الرئيسة والخلفية للوطن، وحاضر الالتباس الممض الذي يهرب فيه الناس من القتيل الملقى على قارعة الطريق بينما يطلق القاتل رصاصه في الهواء، بعد أن نفذ جريمته، ليفسح له المارة في السير، على مرأى من الأمريكان!
يبحث الجزائري، كما يقول، عن القتلى، هذه المرة، لا على القتلة، وهو الذي أمضى سنين منفاه الطويلة يطارد قاتله أو يطارده قاتله.
لماذا لم تخبريني؟ تسأل المراهقة أمها، عن جرائم صدام ورهطه، فتحار الأم، ولا تستطيع تفسير الصمت المديد: كيف أخبرك وقد تروين ذلك لصديقتك في المدرسة فتخبر أباها أو أخاها الأكبر فيهدموا بيتنا على رؤوسنا!
كانت الوشايات من أقرب الناس، يا ابنتي.
"إنهم يمنعون الأمهات حتى عن التأوه" يقول الكاتب الأرجنتيني سباتو: يا إلهي، كم يتشابه الفاشست.
يقول الجزائري: "روى لي اختصاصي الإعلام الدكتور هاشم حسن الذي اعتقل في هذا السجن (سجن الحاكمية) مدة عام ونصف العام إنه بعد شهور من اعتقاله عرف التقويم لأول مرة حين سمع صوت اليوم الدراسي الأول.. صراخ الأطفال المرح في أول يوم دراسي (السجن يجاور مدرسة ابتدائية!).. ذكّره وذكّر المساجين بأطفالهم وقد لبسوا الملابس المدرسية الجديدة وشدّوا الحقائب على ظهورهم وأفلتوا من أيدي أمهاتهم مسرعين لصف جديد ومعلم جديد ومرحلة جديدة.. بكيت (يقول حسن) في زنزانتي التي لا تميز الليل من النهار، وبكى معي كل شركاء الألم في الزنزانة".
إذا كان عار الصمت على الكتّاب العراقيين، أيام العهد المقبور يمكن تفهمّه، فعارٌ على الكثيرين، اليوم، الذين ما زالوا "يكتبون" الكثير من الصمت والتجاهل و "التخفيف" من وطأة الماضي القاسي والمؤلم.
كتاب الجزائري هذا، وفي أغلب كتابته، شجاع الفكرة ، أما أسلوباً فهو يتمتع بلغة طيعة وثرية حيث يمزج بين السرد (وهو الروائي) والتحليل الاجتماعي وحتى السيكولوجي (باجتهاد شخصي) والبساطة الصحفية، وبذا يخلق قراء متنوعي المطامح القرائية، وزهير، بعد هذا كاتب أوقف حياته المهنية، كاتباً، على مطاردة القتلة من حكم العراق الفاشست يكفله وضوح الرؤية ودأب الروح الشغوفة بالحرية وكدح الفكرة النبيلة.
حرب العاجز
[post-views]
نشر في: 2 ديسمبر, 2013: 09:01 م