محمد جبّار الربيعي كان يوسف شاهين عَلماً من اعلام السينما وجبلا شاهقاً متخماً بالفكر والابداع والتجديد.. فقدته حبيبته الاولي بعد أن أعطاها عُصارة شبابه وكهولته فكانت الحصيلة( 37) فلماً طويلاً و (5) افلام قصيرة.. 42 نزيفاً فكريا وعملاً متواصلاً وعمراً موزعاً علي تلك الافلام بلا كللٍ او مللٍ ..
ولد (شاهين 82 عاماً) في معشوقته الكبيرة الاسكندرية عام 1926 من أب لبناني وأُم يونانية وبيت تتداول فيه خمس لغات وخمس ثقافات وفي مدينة كانت تعتبر من أهم موانئ البحر الابيض المتوسط ومحطّ وملتقي الالسن والجاليات من شتّي أصقاع الأرض فكان يخزن في ذاكرته كل تلك التجاذبات والاختلافات والتنوعات والحصيلة فكراً مثقفاً فطرياً منفتحاً علي كل العالم فكراً بإمكانه تلخيص كل تأريخ مصر وكل انتصاراتها وانكساراتها فقد كانت أفلامه المرآة العاكسة للتطورات والاحداث والصراعات التي حصلت في مصر وحتى في الوطن العربي .... بدأ حياته السينمائية بفلم( بابا امين)1950 بعد عودته مباشرةً من الدراسة في الولايات المتحدة التي دامت سنتين ليبدأ مشواره في السينما ثم يتبعه بعد سنة بفلم (إبن النيل) الذي شارك فيه بمهرجان كان عام 1970 ثم توالت افلامه (صراع في الوادي )1954 (وانت حبيبي )1956 و(ودعت حبك) 1957 وغيرها من الافلام العاطفية الرومانسية ثم دخل السياسة في افلامه التي تعج بالوطنية والنضال مثل (جميلة )1958 و(الارض )1970 و(العصفور) 1972 و(عودة الابن الضال) 1976 وكان قد سافر الى لبنان لإخراج فلم( بياع الخواتم )1965مع المطربة فيروز.... ولأنه عشق الحرية واحب ان يترك العنان لأفكاره وإبداعه فقد قرر انتاج افلامه بنفسه فمنذ فلم العصفور الذي حمّل فيه سبب خسارة حرب 1967 الى الفساد في المؤسسات السياسية في مصر منعت عنه الحكومة التمويل الرسمي (كما صرّح هو في اكثر من مناسبة) واعتمد على امكانياته الخاصة في الانتاج ويبدو انه إستطعم الحُرية في افلامه فكان طرحه لقضاياه بكل موضوعية وانطلاق رغم ان بعضها مُنع من العرض في مصر الا ان هذا لم يثنه أو يقلل من عزيمته واستمر في نهجه خصوصاً انه تم عرض تلك الافلام في معظم الدول العربية وحتى الغربية ........ اهم ما تميز به شاهين وتفرد به هو عمل افلام لسيرته الذاتية وهو شيء لم يسبقه مخرج عربي او يحذو حذوه فيه فبقيت التجربة شاهينية بحتة ... ولا أعتقد ان الجمهور (بسبب هذه السلسلة) يعرف مُخرجاً وتأريخه ودواخله كما عرف يوسف شاهين فقد قدّم حياته ومعاناته وإرهاصاته على طبق سليلوزي للمُشاهد (حتى انه تطرق الى ادق التفاصيل واسراره العائلية) لذلك أصبح شاهين ورقة مقروءة من قِبل الجميع بطرحه لكل شيء بكل جرأة وثقة فكانت سلسلة افلامه التي بدأت بـ( اسكندريه ليه ) 1979 الذي ركز فيه على فترة شبابه ودراسته في الاسكندرية وحلمه في الوصول الى الولايات المتحدة والدراسة هناك والاحداث السياسية التي صاحبت تلك الفترة ..... ثم تبعها برائعته (حدوته مصرية) 1982 التي إستخدم فيها اسلوباً جديداً غير مسبوق( بجعل معظم احداث الفلم ومحاكمات الذات تجري في داخل قفصه الصدري خلال العملية التي اُجريت لقلبه فجعل ديكور الفلم عبارة عن قفصه الصدري وكان هناك محكمة متكاملة فيه) ثم (فلم إسكندرية كمان وكمان)1990 الذي فيه قام بدور البطولة وركز فيه على موضوعة جحود الممثل محسن محيي الدين له وتركه التمثيل معه وانكساراته في المهرجانات والاضراب الذي قام به الفنانون ثم فلم (اسكندرية نيويورك 2004) الذي ختم فيه قصته مع السينما وانهى به السلسلة التي استمرت لربع قرن وهذه الافلام الاربعة لخصت يوسف شاهين بشكل بارع بل ولخصت تأريخ السينما المصرية وتأريخ مصر بشكل عام. ومن اهم المحطات التي تميز بها هو مهاجمته للارهاب والتطرف قبل ظهور تلك الظاهرة عالمياً فقد تنبه لها بحسه القارئ للواقع والمستقبل فركز على تلك النقطة في اكثر من فلم منها (الآخر 1999)و (المصير 1997 )وما زالت الكلمة الرائعة التي ختم بها الفلم (الافكار لها اجنحة ......) باقية في ذاكرة من شاهد الفلم قالها رداً على محاربة فكر ابن رشد(قام بدوره الممثل نور الشريف)والقمع الفكري الذي تعرض له و حرق مكتبته فلم يكن ابن رشد مكترثاً لان افكاره حملتها اجنحتها الى كل الاماكن ولن يستطيع اي شخص اصطيادها او منعها من الطيران الى عقول الاخرين ..... وكان حضوره في الافلام التاريخية كبيراً فأخرج فلم (الناصر صلاح الدين) 1963 الذي يُعدّ من أهم الافلام التأريخية في السينما العربية رغم مرور 45 سنة على إنتاج هذا الفلم إلا انه ما زال يحتفظ برونقه وتأثيره عند عرضه فأحتوى على مشاهد معارك متقنة واستخدم اسلوباً مسرحياً متفرداً في داخل السينما (في مشهد المحاكمة للخائنين من الجيشين المتقاتلين ) فوضع مشهدين متجاورين في كادر واحد واستخدم الاضاءة في تفعيل احد المشهدين والعتمة في المشهد الاخر تماماً كما في المسرح وهو بهذا عكس حبه للمسرح باسلوبه المتفرد وكذلك فلم( المهاجر) و(المصير) اللذان كانا يحملان الطابع التأريخي الذي وظّفه لأيصال افكاره برمزية تعوّد علىها المُشاهد الذي الِفَ هذا المخرج ورموزه وافكاره..... و تميز ايضا باكتشاف الممثلين الشباب وكأنه إعتبر هذا من احد الواجبات الم
مخرج يجمع قلبه ودمعه في مشهد واحد
نشر في: 13 نوفمبر, 2009: 04:32 م