TOP

جريدة المدى > عام > أنيتا ديساي: انتابني إحساس مخيف في أمريكا إنني قد أعجز عن الكتابة لكوني بعيدة جدا عن الهند

أنيتا ديساي: انتابني إحساس مخيف في أمريكا إنني قد أعجز عن الكتابة لكوني بعيدة جدا عن الهند

نشر في: 3 ديسمبر, 2013: 09:01 م

× و عندما توفي والدي قبل بضع سنوات تبرعنا نحن أيضا بمكتبتنا إلى كلية كاركي في دلهي ؟ - و تسألينني بعد كل هذا لماذا أكتب عن الماضي باستمرار و ثبات ؟ من المحتمل أنني لا أستطيع مقاربة الحاضر مباشرة لأنني مثقلة بكل حمولة الماضي الذي أحمله على كاهل

× و عندما توفي والدي قبل بضع سنوات تبرعنا نحن أيضا بمكتبتنا إلى كلية كاركي في دلهي ؟
- و تسألينني بعد كل هذا لماذا أكتب عن الماضي باستمرار و ثبات ؟ من المحتمل أنني لا أستطيع مقاربة الحاضر مباشرة لأنني مثقلة بكل حمولة الماضي الذي أحمله على كاهلي .
× هل هذا هو السبب الأبرز الذي جعل منك في النهاية كاتبة ؟
- لو لم أغادر الهند و لو ان كل شيء مضى بعقلانية و هدوء و ثبات كما كان متوقعا في بيئتي التي نشأت فيها ربما لم أكن في حاجة لأن أجمع كل هذه الأجزاء معا عبر الكتابة . أنجزت معظم كتبي في الهند التي غدت هندا أخرى بعد التقسيم : لقد أضعت الهند التي عرفتها في طفولتي . شرعت بالكتابة أثناء سنواتي المدرسية و بدأت النشر خلال دراستي في الكلية و انتظمت في الكتابة للصحف في دلهي و كنت أنشر بانتظام مراجعات للكتب و قصصا قصيرة و مقالات قصيرة أيضا و كتبتها جميعا باللغة الإنكليزية و كان اسمي قد بدأ يطرق أسماع العالم الغربي آنذاك .
× ما الذي قرأت لاحقا للمرحلة التي تكلمت عنها توا ؟ و ما الذي ترسخ في ذاكرتك و أي الكتاب ساعدوا في ارتقائك الأدبي ؟ أذكر عندما كنت طفلة انك كنت تحبين قراءة فيرجينيا وولف...........؟
- كان لفيرجينيا وولف تأثير عظيم على ما أكتب و أذكر إنني ذهبت مرة إلى مكتبة ( اتمارام ) واشتريت خانة كاملة من مجلدات دار نشر ( هوغارث ) مع أغلفتها الصفراء و اعتدت قراءتها مرة بعد أخرى ، و قد اعتدت لوقت طويل من حياتي أن أقرأ صفحة أو صفحتين من أعمال فيرجينيا وولف قبل ان أبدأ عملي الصباحي لأنني كنت أراها دوما " شوكة رنانة " تنغم عمل عقلي و قد غدا تأثيرها عليّ طاغيا حد إنني بت مذعورة من إنني سأكون نسخة باهتة منها بدل ان أكون أنا نفسي و صوتي فتوقفت عندها عن ممارسة طقسي الصباحي في قراءة فيرجينيا وولف ،لكنني ما زلت مواظبة على قراءة بعض الشعر قبل البدء في عملي الصباحي و أقرأ في العادة : ريلكه ، كافافي ، ماندلستام ، برودسكي ........
× كلهم شعراء منفى ؟
- نعم كلهم شعراء منفى . الشعراء لهم ميزة انهم يتناولون مباشرة ما يبتغون الكلام عنه و لا يحومون حوله ،و هذه المقاربة المباشرة هي التي تجذب المرء في العادة و لست أعرف اليوم هل يمكنني ان أتعامل مع معظم أعمال تولستوي أو دوستويفسكي أو بروست، و لكنني على العموم أطمح لأن أعيد التجربة الرائعة في إعادة قراءتهم ثانية . 
× كيف تشعرين و أنت تقرئين المقدمات للطبعات الجديدة لكتبك التي ظهرت حديثا في الهند ؟
- أشعر بامتنان كبير لمن كتب هذه المقدمات الرائعة ،فقد كانوا في غاية الجدية و ان من المثير ان جيلا هنديا كاملا سيقرأ الأدب الهندي باللغة الإنكليزية ،فعندما كنت طالبة لم يكن ثمة شيء من هذا القبيل متاحا أمامنا و لم يكن بإمكاننا قراءة أعمال أي أديب هندي أبدا .
× تكتبين كثيرا عن الذين يمكثون طويلا في المنفى ، و اللامنتمين ، و المسافرين ، و المترجمين مع علمي الأكيد ان السفر يسبب لك متاعب صحية مؤذية ، فهل كان من المحتم عليك ان تغادري أولا لتمكثي في الهمالايا ثم لتغادري بعدها الهند بأكملها ؟ هل ترين ان الكاتب يكتب عن الحيوات التي يعيشها بقدر ما يكتب عن الحيوات التي يسمع عنها فحسب ؟
- لم يكن هذا ما خططت له عن قصد فقد كنت أتقدم خطوة لأؤخر أخرى و أتقدم ببطء حذر لكنني وجدتني أندفع إلى الإمام على عكس ما رتبت له ،لذا أرى ان ما يكتبه الكاتب يمكن ان يكون " نبوئيا " . عندما يكتب المرء يكون في حالة تماس مع قوة أخرى غير تلك التي اعتاد التعامل معها في حياته اليومية ،و عندما تتعامل مع تلك القوة العلوية ترتد عميقا إلى داخل ذاتك حيث يكون متاحا لك ان تستشعر إحساسات لم تكن لتلحظها من قبل .
× هل شعرت يوما بأن ثمة كلفة باهظة يدفعها الكاتب ثمنا لمهنته في حياته اليومية ؟لماذا نحن معشر الكتاب نملك إحساسا بأننا كائنات معزولة ؟
- لطالما تساءلت عن هذا و هل هو بسبب كوننا كاتبتين ؟ أنا متأكدة تماما انك شعرت بنظرة الحسد و الغيرة المنبعثتين من عيون أصدقائك الذين لهم حيوات و مهن أخرى مختلفة عما نفعل نحن . إنه لمن المؤثرات العظيمة على ما يفكر أو يعتقد فيه المرء عندما يشعر بأنه " خارج السرب " دوما و ليس ملكا خالصا لجهة ما . أقول عن نفسي بخاصة إن شعورا بالوحدة تملكني دوما لأن عائلتي كانت تختلف عن العوائل الأخرى التي رأيتها في حياتي .
× سافرت كثيرا إلى بلدان عديدة . هل غير السفر من نمط تفكيرك أو كتابتك ؟
- السفر كان تجربة مخيفة في حياتي و أرى ان ذلك النوع من الخوف قد مررت به أنت أيضا ، فموضوعك الذي تعملين عليه يقع في مكان ما و ينبع خوفك من عدم قدرتك على استعادة موضوعك عندما تغادرين ذلك المكان . عندما قدمنا لأول مرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وابتدأت العمل في التدريس انتابني إحساس مخيف إنني لن أكون قادرة على كتابة أي عمل هناك لأنني كنت بعيدة جدا عن الهند : بعيدة عن ماضيي ، و عائلتي و ماكان حولي في أمريكا لم يكن ينتمي إلي لكنني في النهاية كتبت " وليمة الصيام Fasting Feasting " و قد فعلت هذا بعد ان استعدت قدرتي على استحضار ماضيّ .
× لطالما عملت على موضوعات كنت أتصارع أنا معها على الدوام : التنقل بين موضوعات الحقب التاريخية ، و وجهات النظر المتباينة ، و الجغرافيات المختلفة ؟
- المسألة برمتها تشبه التعامل مع أحجية بانورامية و محاولة التعرف على القطع التي ينبغي ان توضع في مواضعها الصحيحة للحصول على الخلفية المضبوطة . كان عملي " وليمة الصيام " محاولة للتعامل مع أحجيتين بانوراميتين في بيت واحد و السعي للحصول على تركيبة صالحة تنبثق من الاثنتين معا . ورثت أنا عالما متشظيا في وقت كان لك أنت فيه عالم متكامل و متماسك لكنه ابتدأ بالتشظي عندما كنت أنت بعمر الرابعة عشرة وغادرنا حينها الهند إلى بريطانيا و بعدها إلى الولايات المتحدة ، و كان عليك بعدئذ ان تجدي وسيلتك للتعامل مع العالمين بعد جمعهما معا و هو عين ما أرى انك قد فعلتِه في كتابك " ميراث الخسارة".
× عندما تفكرين في خلق قصة ما ، هل تفكرين في شكل ما لها ؟
- في كتابي " بومباي كما يراها بومكارتنر " الذي أشرت له سابقا ، يحصل كل شيء في يوم واحد كما لو كان اليوم الأخير في حياة بومكارتنر . كنت اعرف انه سيموت في نهاية ذلك اليوم لكنني لم اكن اعرف أبدا كيف سيكون شكل هذا الموت و كل ما كان متاحا لي ان احشد لفعل الموت فحسب ، فقد كان يمكن ان يقتل على يدي رجل فقير يجول في الشوارع على غير هدى أو على يدي لص لكنه في النهاية مات بالطريقة المناسبة التي كان ينبغي له ان يموت بها .
× هل تشعرين بالغيرة إزاء الكتاب الهنود الذين اعتادوا الكتابة في بيئة واحدة ممتدة و مستقرة بلا تغييرات متلاحقة و تغييرات جامحة في مشاهد المكان ؟
- نعم يشعر المرء في العادة بالغيرة من الكتاب الهنود الذين ورثوا عالما واحدا غير متشظ ،مثل ( طاغور ) و ( نارايان ) ، و كتبي المبكرة تنتمي لهذا النوع من العالم لكن العالم الآن توسع كثيرا و تشظى و اختلط و تداخلت أجزاؤه........
× و هل أنت نادمة على هذا التشظي؟
-أبدا و لا حتى بأقل القليل من الندم.
× لماذا ؟
كانت أحداث كبرى تجري خارج فضاء رواياتي و ليس داخلها و لطالما طالني الانتقاد بانني اكتب عن عالم محدود و محصور في حدود صلبة و ربما كان استيائي من هذا الانتقاد هو ما دفعني إلى فتح الأبواب مشرعة أمام أحداث العالم الأخذ في التشظي المتسارع لتجد صداها في رواياتي ، وقد كان شعوري عندما كتبت " تحت الوصاية " و " بومباي كما يراها بومكارتنر " بأنني كمن يفتح الأبواب و ينطلق راكضا في الشوارع ليرى و يجرب أماكن أخرى و أشياء أخرى غير التي تعامل معها . لو حصل و عشت كل حياتي في دلهي القديمة كنت سأشعر بإحباط وغضب شديدين بسبب ان عالمي كان سيغدو اكثر ضيقا و محدودية تبعا لضيق و محدودية تجاربي ، لكنني حتما أردت لحالي ان يمضي في مسار آخر و هو ما حصل فعلا و أنا سعيدة للغاية بما حصل . هل كان ما حصل رائعا ؟ ذاك سؤال آخر لكنني أعرف تماما انه كان مسارا شاقا و رائعا بذات الوقت .
× كل واحد من الأمكنة التي زرتِها ألهمتك شيئا مختلفا .إنكلترا مثلا بدت لك كأنها رحلة سفر إلى ذلك الجزء من العالم الأدبي الذي حدد معالم طفولتك ؟
- لم أكتب أبدا كتابا بالإنكليزية عن احد الأمكنة الإنكليزية و لكن كل ما قرأته عن ذلك الأدب تغلغل عميقا فيما كتبت . المكسيك كانت تجربة مختلفة و غريبة تماما علي و لم يكن ممكنا لي ان أفقه شيئا منها لو كنت بقيت في الهند و عندما تعمقت في جذورها وجدتها تتناغم مع أصداء ثقافتي الهندية ، لذا يمكنني القول ان إقامتي في المكسيك كانت بمثابة امتداد لعالمي الهندي .
× هل ترين ملمحاً من نمط ما ينتظم أعمالك عندما تعاينينها معاً ؟
- لم يحصل أبدا ان أجلس و أفكر في هذا الأمر و لكن ثمة ناقوس يدق في رأسي طيلة سنوات ويلح علي بموضوع جعلني أرى نفسي غريبة على " الهند " التي نعرفها اليوم و التي أرى أنها قد ابتعدت كثيرا عن الهند التي عرفتها من قبل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

في مديح الكُتب المملة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram