المسؤول الرفيع السابق، صديق المالكي، وجد وقتا ليسلم عليَّ ويحدثني عن رد فعل السلطان كلما سمع بمفخخة! وأنا أتذكر خطابات الخميني، وأسترجع صورة بعض القادة الناجحين.
انه حديث عن الموت وسط حفل أقامه الإماراتيون للاحتفال بالذكرى ٤٢ لتأسيس دولتهم. أصدقاء وصديقات يحدقون معي في شعار حفل دولة الإمارات العملاق الذي توسط قاعة فندق روتانا، حيث يصور تخطيط بالأسود والأبيض الراحل الشيخ زايد وحوله الشيوخ الستة الذين شاركوه في تأسيس اتحاد الإمارات. انه حفل مختلف ينطلق من ماض متواضع بلا ادعاءات، فهؤلاء بشر عاديون يرتدون الغترة والعقال ويفكرون بمستقبل مختلف، وينشط موظفو القنصلية بتوزيع صور عن حاضر بلادهم، وكراريس يتلاقفها ضيوف أمريكان ويابانيون بشغف ويرددون مع كل صورة: وااو هائل، ما هذه المفاجآت يا دبي.
أصدقاء لبنانيون وأردنيون يقلبون الكراريس معي، وانا أقول لهم: ركزوا على لوغو الحفل، سبعة رجال يرتدون زينا التقليدي، الدشداشة والعقال، بلا ادعاءات كبيرة، ليس بينهم كلكامش ولا شلمنصر، ولم ينجبوا سيابا ولا جواهريا، لكنهم يخطفون بلا ادعاءات كبيرة، أبصار الأمريكان واليابانيين، ويدخلون عصر ما بعد النفط. ولو استيقظنا صباحا ولم نجد النفط، فسنتضور جوعا في العراق، لكنهم في الإمارات اصبحوا جزءا من حركة التجارة الدولية، واقتحموا خارطة البزنس وبورصة التاريخ.
في هذه الأثناء، مرق بقربي صديق قديم للمالكي ومسؤول سابق، فتوقف للتحية. وهؤلاء لا يجدون الوقت الكافي أثناء انشغالهم بخدمة الشعب، لإلقاء التحية على أمثالي، لكنهم وبعد ان ينتهوا من خدمة الشعب، فسيكون لديهم وقت فراغ يتسع لأشياء جديدة!
المهم أننا وقفنا نتبادل مجاملات حائرة، أنا والمسؤول السابق، او الصديق السابق للمالكي، فتحدثنا عن أهالي طوز خور ماتو الذين يتعرضون لإبادة مخيفة، وعن غيرهم من العراقيين الذين لم يعودوا يعرفون هل هم أحياء ام برسم الموتى، عن الموصل التي يصيبها العنف بالشلل، وعن بغداد المذبوحة باسم كل الملل والنحل. سألت صديق المالكي السابق: الى اين نتجه برأيك، انت الخارج من عرين السلطان الفاشل؟ أجاب: "ليتك ترى وجه المالكي حين تتدفق علينا أخبار الموت. مرة رآني متأثرا بعد مجزرة رهيبة بالمفخخات، فسألني: هل حقا ان سقوط ١٠٠ شهيد يهز معنوياتك، عليك ان تتحلى بالصمود، ولن نخضع"! أكملت أنا للصديق السابق للمالكي "يعني ما ننطيها"!
الأمر جعلني أتذكر خطابا لآية الله خميني، ألقاه في آخر أيام حرب الأعوام الثمانية، ويتذكره الإيرانيون والعراقيون تحت عنوان "وافقنا على وقف اطلاق النار وسأتجرع السم". ففي فقرة أخرى اقل شهرة، ضمن الخطاب نفسه، قال الخميني: "يزعمون أننا خسرنا، لان مئات الآلاف من شبابنا لقوا حتفهم في الحرب، لكن هذه رؤية مبتورة مادية، فالموت على درب الحق، عروج مثالي الى الله. ان الحرب أتاحت للآلاف فرصة ذهبية كي يعرجوا الى الله". هذه العبارة أيضا منطق من قماشة "ما ننطيها"، بل ان الأمر يجعلني انتبه الى ان الانتحاريين ال"بن لاديين" والزرقاويين، ينتمون أيضا الى وجه آخر لأمة "ما ننطيها" التي تعني إلغاء السياسة، والامتناع عن الحلول السلمية، ورفض الحوار، واللجوء الى القوة الغاشمة في إدارة الصراع، وما العيب في ذلك طالما كان أولاد الخايبة، هم القرابين الأبديون، لشهوات البطولة الزائفة، والنبوخذنصريات التي كان يتمشدق بها صدام حسين، وغيره ممن حاول لعب دور الثائر الملحمي "بروس أولاد الخايبة".
أعود لأحدق مع الأصدقاء، في لوغو اتحاد الإمارات، الذي لم يفكر بشيء طيلة ٤٢ سنة من ولادته، خارجا عن اطار البناء والانخراط الذكي في شبكة التجارة مع البلدان المتقدمة، وتوفير العيش الكريم للشعب. أنها بطولة إماراتية لا تحتاج الموت، ولا مزاعم الثورة المزيفة، ولا تتطلب جدالا حول "ننطيها او ما ننطيها"، لان شيوخ القبائل هؤلاء، ثاروا على تخلفهم وفقرهم، وانتصروا ورفعوا رؤوس أبناء شعبهم، وصاروا ينظرون الى حمورابي المعاصر، وهو محاصر بصخرة عبعوب، وغارق في الوحل والدم والدمع
صديق المالكي وصورة الموت
[post-views]
نشر في: 4 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 4
محمد
الشعب كله معك كلامك صحيح الحل شنو
ميسون الالوسي
في كل مرة تتحفنا بمقال رائع استاذ سرمد. ... احرص يوميا علي قراءة مقالك وافاجا دوما بمدي روعة طرحك لماساتنا. ...
ابو سجاد
اسال سؤال استاذ سرمد هذا العالم الكبير المتحضر كاوربا واميركا كيف بنوا حضارتهم وبهذه السرعة ونحن رجعنا الى الوراء ضعف سرعتهم هل هؤلاء توكلوا على الله ام على انفسهم وهذه الامارات على ماذا توكل الشيخ زايد زايد الخير واصبحت باصطفاف الدول المتقدمة
احمد
ربما كان سيكون من الافضل لو ان المقال كان قد وضح اسباب وصول الامارات بصورة خاصة والخليج بصورة عامة الى ماهم عليه الان بدلا من سرد لمحات من فشلنا وهي المقتل الذي صار يعرف تفاصيله الطفل ذو العشر اعوام في العراق. ان السبب الرئيسي لما هي عليه الامارات مثلا