TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رحلات إلى جزر الأطلسي.. القسم الثاني: مدريد والغورنيكا ومعرض دالي

رحلات إلى جزر الأطلسي.. القسم الثاني: مدريد والغورنيكا ومعرض دالي

نشر في: 7 ديسمبر, 2013: 09:01 م

التجوال  في  الساحات الكبرى و شارع غراند فيا  يشعر المرء  بمتعة التمدن  وهو يتملى بصمات العصور التي مرت على  مدريد ، يفخر أهل مدريد  بعمارة مدينتهم وتنوعها كقٌصر سبيليس ومبنى البريد التاريخي ومتحف البرادو وكاتدرائية المودينا  أو المدينة ومتنزه الريتيرو  ويتناقض كل هذا مع حداثة  معمارية مفرطة  تجاور عمارة الباروك والروكوكو والكلاسيكية الجديدة ، ( بلازا مايور)  أكبر ميادين   مدريد  المحاط بـ  136 مبنى  تاريخي ومجموعة من الكنائس  بعمارة باروكية  من القرن السابع عشر  يمثل النموذح  السلطوي والديني الذي  كان يتيح  للحاكم  ورجل الدين  معا  أن يفرضا هيمنة مطلقة على الحشود في   الاحتفالات والمناسبات الدينية ،الميدان مضاء بألف لون  تجعل مقاهيه  مهرجانا للحب والحلم  و يفيض سحر الموسيقى  متناغما مع لعب  المهرجين  والرقص وكأن الميدان العتيد  يريد محو ما علق في ذاكرة الناس عن تاريخه الدموي  فهنا تحت  الشرفات وأنظار الحكام  ورجال الدين  كانت  تجرى  عمليات الإعدام في القرن 17  ثم تحول الميدان  إلى  حلبة لمصارعة الثيران ثم ساحة للاحتفالات الرسمية  وها هو اليوم  يحتفي  كل لحظة  بالحياة والعشاق والفن وترتجف أشجاره على  إيقاع أقدام راقصات  الفلامنغو اللائي  يتوشحن الشالات الكاتالونية المطرزة ويزيّنَّ  رؤوسهن بأمشاط لامعة كأميرات الأحلام.
يتواصل الناس هنا بالفن والحب والمرح، بينما تنكرك مدن أوروبية مثل فرانكفورت وزيوريخ وباريس و تشعرك بأنك هباءة  ضائعة  وانك وحيد  ومهجور وزائد عن حسابات المدينة وعجز أهلها عن التواصل بينما تتفتح إنسانيتك في حميمية مدريد وسيتضاعف الإحساس بالألفة والدفء  في جزيرة  غراند كناريا  أكبر جزر الكناري التي  سأقصدها  بعد مدريد.  
صباح اليوم التالي كان علي أن أتيه  في شوارع  مظللة بأشجار باسقة  للوصول  إلى  متحف البرادو معبد الفنون الكلاسيكية  فأغادره عصرا لأحظى بأجمل أمسية  لدى زيارتي لمتحف الملكة صوفيا  للفن الحديث حيث  يحتشد مئات من عشاق  الفن   لمشاهدة أعمال بيكاسو وخوان ميرو و سلفادور دالي  وتابيس وسواهم ولم أشأ دخول معرض دالي قبل أن  أحيي الغورنيكا في قاعتها الخاصة ،كانت الغورنيكا بلونها الرمادي والأبيض والأسود وشموخها تعطي انطباعا بانتصارها  على النازية  التي حرمت أعمال بيكاسو  لتمثيلها الأعراق الدنيا  من البشر !
 تساءلت أمامها  : كم من الغورنيكات  لدينا ؟  انهمرت دموعي أمام وجوه نسائها الثلاثة  التي تحتل مركز اللوحة : المرأة التي تحمل المصباح والمرأة الصارخة والثالثة الهاربة ولما رأت الغورنيكا  دموعي  المتساقطة على الرخام اللامع، رأيتها تقترب  مني متخطية حاجز الحبل الأخضر ويلتمع  شعاع مصباحها المحطم على وجهي  لتقول لي : الفن ينتصر  للإنسان والجمال  والسلام على مر  الزمان .  
  لبثت الغورنيكا سنوات  طويلة في متحف الفن الحديث بنيويورك  بناء على رغبة بيكاسو      وبعد رحيل  فرانكو  احتفلت إسبانيا باستعادتها  لتقف  طوابير  النساء والرجال  من اجل إلقاء نظرة على  اللوحة التي  تفضح بشاعة الحرب وهلع الإنسان ، كانت العجائز اللائي  فقدن أبناءهن ورجالهن وعشاقهن في الحرب الأهلية يقفن أمامها  وتتماهى وجوههن  المغضنة مع ألوان اللوحة الرمادية  ،أما الشباب  فقد كانوا  يمرون أمام  الغورنيكا بنوع من اللامبالاة.
  بعد زيارتي معرض مئوية دالي الذي سأتحدث عنه لاحقا - تلمست  التناقض  بين رؤية  بيكاسو  التي تهجو الفاشية و بين تهافت بعض أعمال دالي كالإعلانات  التي مثلها  للتلفزة  ترويجا لجوارب نسائية  وعلكة  وشيكولاتة ، أغادره لمشاهدة فيلم "الكلب الأندلسي" الذي تشارك في صنعه دالي ولويس  بونويل  لهجاء الفن الطليعي  والبورجوازية وصديقهما لوركا.        
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram