TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صفقة الداخل رابحة حتى لو فازت إيران

صفقة الداخل رابحة حتى لو فازت إيران

نشر في: 7 ديسمبر, 2013: 09:01 م

منذ ٢٠٠٣ شهدنا محاولتين لتوحيد العراق. الأولى فشلت بامتياز، والثانية حققت نصف نجاح ولا تزال امامها فرصة كبيرة. واعني بالمحاولة الاولى قبول المالكي عام ٢٠٠٨ بشكل التسوية التي هندسها الجنرال الاميركي ديفيد بترايوس، والتقارب مع المجتمع في المناطق الساخنة، الى جانب كبح جماح الميليشيات التي كان الصدر قد جمدها صيف ٢٠٠٧. وكان يفترض بعدها ان يقوم المالكي بالمزيد من بناء الثقة مع الجمهور هذا وممثليه السياسيين. غير انه سارع الى تسييس اجتثاث البعث مطلع ٢٠١٠ وقلب ظهر المجن لشركائه في ٢٠١١، ولم ينصت لنصائح الكردستاني ولا باقي حلفائه الشيعة، ومزقنا مرة اخرى. ان محاولة المالكي لتوحيد بلادنا المنقسمة، انتهت الى فعل القسر والاكراه وشراء الذمم وصم الاذنين عن نصائح الحلفاء، وفشلت لانها اصغر بكثير من المقاسات الحالية للعراق.
اما المحاولة الثانية لتوحيد البلاد فقد ظهرت في أيار ٢٠١٢، يوم ذهب الجميع باستثناء المالكي، الى اربيل (حتى عبد المهدي ممثلا للمجلس كان يمضي عطلة تخللتها لقاءات مهمة في كردستان)، ولم يكن الاجتماع تآمريا، بل كانت تفاصيله دستورية معلنة وشفافة، ووضع ورقة اصلاح للحكومة رفضها المالكي، فاضطر فريق اربيل الذي نقل اجتماعاته لاحقا الى النجف، لبدء عملية سحب الثقة، التي تلكأت لاحقا. لكن تلكؤها لم يلغ حقيقة انه بات لدينا حلف عابر للطائفية، نجح في تنسيق مواقفه وخفف الاحتقانات، وهو اليوم بأغلبية ١٧٠ نائبا، يمثل نواة للتغيير في برلمان ٢٠١٤. وبقي محاولة اصلاحية لتوحيد البلاد المنقسمة، يظهر فيها الجلبي والحكيم والصدر، منتقدين بشدة لنهج المالكي، ومتعاونين مع الاطراف الاخرى لاصلاح ملف حقوق الانسان والقضاء والعسكر ودعم اللامركزية الادارية، وهي عملية لم تنجح بالكامل لكن امامها ممكنات نجاح ممتازة، وستتعرض من الان حتى يوم اعلان الحكومة المقبلة، الى اختبارات عسيرة.  
تستهدف هذه المقدمة الطويلة، اعادة تعريف مأزق الداخل مع الخارج، وجاءت بمناسبة زيارة المالكي الى طهران، وما سيتبعها من تعليقات وتصريحات وتسريبات.
لقد ترك سقوط صدام حسين فراغا، وتلكأت معادلات الداخل في ملء الفراغ، فجرى ملؤه عبر اميركا وايران وآخرين بالطبع. لكن اكثر من طرف خارجي يؤمن اليوم ان الضعف العراقي لن يستمر، ولابد للعراقيين ان يعثروا على صيغة لتماسكهم. فثروتهم كما موقعهم الحساس على خرائط الجغرافيا السياسية، تحملهم مسؤولية دولية ووطنية لتوحيد السياسات والتحول الى شريك ند للخارج، بدل دفع ثمن التبعية. ان العراق ليس مشيخة صغيرة يسهل قيادها من الخارج، كما انه ليس ضاحية بلا موارد يمكن التحكم بمساراتها. ولذلك فان كل خارج يمارس التأثير في العراق يدرك اليوم انه سيتمكن من التأثير طالما بقي الانقسام الدموي والارتجال السياسي على طريقة المالكي، كما يدرك هذا الخارج ان محاولة توحيد المواقف وتسوية الخلافات بنحو متعقل، على طريقة "اربيل النجف" تمثل صيغة لوقف التدخل الخارجي، او لتخفيف اثر الخارج في الداخل الى اقصى المديات. ولذلك فالشهور المقبلة وبقدر ما ستشهد تماسكا لمحور التفاهم، ستعرقل رغبة الخارج بفرض صفقته. وسيضطر الايرانيون والاميركان، الى التفاوض بضراوة مع ارادة الداخل المشروعة.
وسيهزأ كثير من القراء والساسة بكلامنا هذا، لكنني ومعي كثيرون، نؤمن بأن صفقة الداخل ناجحة حتى لو تفوقت صفقة الخارج. لان تسوياتنا في بغداد والبصرة، واربيل والنجف، ونينوى والانبار، هي محاولات متكررة لتوحيد البلاد، ورؤية ما يجمعنا من مصالح كبرى كبلد، وليس امامنا سوى ان نكرر المحاولة مرات ومرات، واذا كان القدر مصمما على ان يهزمنا لبضعة سنوات اخرى، فعلينا ان نثبت لهذا القدر الدولي او الاقليمي، ان هزيمتنا لن تكون سهلة، وأن تسويتنا الخاصة الداخلية لابد ان تنجح يوما.
الانسان الحديث لا يكذب على نفسه، لكنه ايضا لا يتعب من محاولات تخفيف سوء المستقبل. ولهذا استحق صفة الانسانية وهزم باقي الانواع في هذا الكون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. ابو سجاد

    لااعرف بالضبط على من تراهن على الاحزاب المسيسة من الخارج وبدون استثناء ام على المواطن اليائس المنكسر الذي يصرخ كل يوم ولايجد من يسمعه انك متفاءل جدا ياستاذ سرمد وارجوا ان يكون هذا في محله اما بالنسبه لنا كمواطنين لانجد هناك تغيير فرؤساء الاحزاب نفسهم ورؤس

  2. بكر النمراوي

    اشاطرك الراي ولكني اجد ان سطوة الخارج تكمن خطورتها بالكم القيادي المؤثر في الداخل والمرتبط بالاجندة الخارجية الذي يعمل بكد وبمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة في وئد التطلعات الوطنية لاعادة اواصر الاخوة والوحدة الوطنية لذا اعتقد ان الحل هو العمل الشعبي

  3. حيدر ماجد

    في السياسة لا توجد صفقات السياسة علم وكل مايخالف العلم خطء ولو نسبي العراق مثله مثل بقية دول العالم عليه ان يمتلك قانون للاحزاب ومعارضة وصحافة حرة وقانون يحمي المواطن ولا يرهب المواطن بهذا فقط سيتحسن الحال ولو بنسب متفاوتة اما الصفقات والحلول الاعجازية فل

  4. سالم بغدادي

    اتفق مع عموم المقال واختلف في بعض التفاصيل. فصفقه 2008 كانت من خلال نفس ما يتوقعه الكاتب من صفقه لعام 2014 بين الداخل والخارج. في 2008, اتفق الداخل على ما اوكل للمالكي من مهمه لتصفيه الملف الامني . وليس لي دليلا اكثر وضوحا من ان رجال بدر كانو سيوفه في ملا

  5. الناصري

    اخواني الاعزاء متى ما اصبحت قناعة الشعب متوحده تجاه ان ايران سبب الخراب في العراق ومتى سمعت هذا الشئ من داخل المواكب الحسينيه ومتى راءينا مقاطعه اقتصاديه للمنتوجات الايرانيه في جنوب العراق قبل الوسط ومتى ما رءينا مظاهرات شعبيه حاشده على ابواب السفاره الاي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram