تسعى بعض أجهزة الإعلام الأردنية، من خلال مقالات تحليلية وبصورة بائسة، لإلباس مسألة عضوية الأردن المؤقتة في مجلس الأمن الدولي، ثوباً زاهياً برّاقاً، متجاهلةً أن تلك العضوية تحققت، بعد أن رفضتها السعودية، احتجاجاً على مواقف المنظمة الدولية من الأزمة السورية، وموقف واشنطن من النووي الإيراني، وليس اعتماداً على مواقف الأردن وسياساته كما تحاول تلك المقالات تصوير ذلك.
ليس صحيحاً أن ذلك كان بسبب الفوضى التي تعم العالم العربي، حيث لا يوجد من يجلس مستريحاً على مقعده الرسمي في الإقليم، بنفس مساحة الراحة الأردنية، حيث أثمرت سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأقطار العربية عن مساحة قبول حيال دخولها مجلس الأمن بتوافق عربي، كما أثمرت سياسة كراهية العنف والدم في سلوك وتاريخ الدولة، عن توفير رصيد شعبي للدولة ولقيادتها، فلا معارضة في الخارج ولا سحل ومفقودين في الداخل، بل باتت المعارضة طريقاً سهلاً لتولي المناصب في الدولة الأردنية، وهذا منح الأردن استقراراً نسبياً في مرحلة الربيع العربي التي كانت وبالاً على أنظمة كثيرة.
لا نشكك في كون النموذج الأردني سيظل مطلوباً، في إقليمنا المُشتعل طائفياً وإثنياً وإقليمياً، حيث تسوده حالة من الوعي العميق لضرورة احترام التنوع والتعددية، وهو حالة مقبولة من السلم الأهلي والتماسك المُجتمعي على مستوى القاعدة، رغم تشظّي نُخبة السياسية، لكن ذلك ليس مبرراً لحصوله على عدد كبير من الأصوات، فذلك ناجم عن عدم وجود منافس، وعن رغبة دولية في إرضاء السعودية، التي بدت كما لو أنها تتنازل عن مقعدها لحلفائها في عمان، وهم المعنيون قبل العضوية وبعدها بما يحيط بهم ويطوقهم من أزمات، في فلسطين والعراق وسوريا.
مؤكد أن عضوية مجلس الأمن، تتطلب تطويراً في السياسة الخارجية، وتفعيل مساحات التلاقي العربي، وعدم الانحياز إلى مكونات سياسية في الإقليم، والعمل على استعادة الدول العربية لدورها، الذي ينحسر اليوم في تأييد محور إيران أو تركيا أو إسرائيل، وليس سراً أن بعض العواصم تعول على عضوية الأردن، باعتباره ممثلاً للمجموعة العربية، التي تعيش أقطارها أوضاعا صعبة ومعقدة، على الصعد الداخلية وعلاقاتها بمحيطها الإقليمي، لكن السؤال هل يتمكن الأردن من ذلك، وهو الذي أعلن انحيازه المطلق لواحد من المحاور الناشئة في المنطقة، وهل يخرج عن إرادة ومواقف ذلك المحور، حتى وهو يخوض حرباً باردةً ضد المحاور الأخرى.
ينبغي القول لكل المطبلين والباحثين عن مزايا لعضوية الأردن في مجلس الأمن إن صانع السياسة الأردنية كان يمتلك هوامش للمناورة لم تعد متاحة اليوم، حيث يتوجب رفع اليد والتصويت في كل مرة تطرح فيها القضية الفلسطينية، أو الأزمة السورية أو البرنامج النووي الإيراني، على التصويت، عندها سيكون الأردن في عين العاصفة، وفي دائرة الضوء والاهتمام، وسيبحث الجميع بأعين مفتوحة في سياسته الداخلية، وستكون هناك أضواء كاشفة على ملفات الإصلاح والحريات وحقوق الإنسان، وفي سياسته الخارجية سيكون مُطالباً بتطوير شبكة تحالفات ومصالح مع مختلف الدول والمجموعات الإقليمية والدولية، فهل هو قادر على مواجهة كل ذلك.
المطلوب اليوم مغادرة حالة "الفزعة" وأخذ الأمور على محمل الجد، كي لا تكون تلك العضوية وبالاً على الدولة الأردنية.
الأردن عضواً في مجلس الأمن
[post-views]
نشر في: 8 ديسمبر, 2013: 09:01 م