تعلقت عيناها بجملة "السفر ميزان الأخلاق" المعلقة في السيارة حين شعرت بملمس أصابع حقيقية تحاول لمس أي جزء من جسدها من خلال الفتحة المحصورة مابين مقعدها والنافذة.
من البديهي ان يكون الشاب الجالس وراءها هو المتحرش بها، فصار لزاماً عليها إذن ان تثأر لنفسها منه دون ان تتخلى عن صفة "الستر " التي أوصاها بها والدها وهي تضطر الى السفر وحيدة الى الجامعة، سيما وانه تمادى في "حرشته " أمام سكوتها، وبدأت أصابعه تزحف رويدا رويدا..لمعت في رأسها فكرة جهنمية وقررت تنفيذها رغم ما فيها من مجازفة..أخرجت الفتاة من حقيبتها دبوساً وغرسته في ظهر كف الشاب بشدة فانطلقت منه صرخة رهيبة أدارت حوله رؤوس الركاب ولم يجد بداً من افتعال المرض ليبرر شحوبه وصرخته وألمه. وتجنبا للإحراج اضطر للنزول قبل المحطة الأخيرة وكأن آلاف الدبابيس تطارده.
حدث هذا قبل سنوات عديدة..كان الشاب وقتها جندياً في جيش صدام وربما حولته المعارك والنوم في الملاجئ وتوقع الموت الى شخص يضع القيم والشرف على الرف ويمارس حياته بتلقائية اقرب الى البربرية ليعكس مايعانيه من حرمان ويأس من العيش تحت ظل سقف آمن مع زوجة تروض غرائزه.. وقتها ايضا قال لي قريبي الذي درس الفن وكان يعشق الجمال والحس الانساني انه كان يشعر بفقدان آدميته حين يرتدي ملابسه العسكرية ويلتحق بجبهات القتال فهناك لا يرى إلا الموت واحتضار الآمال لذا كان يتدافع في كراجات النقل الخاص ويثرثر بصوت عال مع رفاقه دون ان يعبأ بالركاب وقد يتحرش ايضا بفتاة ليطفئ رغبته بالجنس الآخر، وحين يعود الى منزله ويتجدد أمله باستئناف الحياة يندم على أفعاله ويعاود التعامل برقي وانسانية..
من المعروف ان الشباب هم أمل المستقبل وهم وسيلة تغييره الى الأفضل لكن ذلك لا يتحقق في مناخ فاسد فحين قاد الطلبة والشباب الثورات في الماضي كانوا يتسلحون بالوعي السياسي والتوازن الاجتماعي لكنهم فقدوا كل ذلك مع تعاقب سنوات الحروب والاستلاب وتغييب دور المواطن في ظل سلطة دكتاتورية فما بالك بالشباب الذين غذوا المعتقلات والمقابر الجماعية وارض المعركة بدمائهم وأرواحهم..اغلب شبابنا المتعلم يعيش إحباط ما بعد التخرج حالياً أما الشرائح الاخرى فتعاني من البطالة والفقر، وفي هذه الحالات يصبح الزواج صعباً والعلاقة العاطفية اصعب فكل شيء يحتاج الى انفاق المال وتوفير السكن والعمل المضمون..
لانريد ان نبرر للشباب لجوءهم الى التحرش الذي كثيرا ماتتعامل معه المرأة بصمت، لا لأنها راضية، بل خشية الفضيحة ولوم المجتمع لها، اذ ان ألسنة الناس لن ترحمها، وقد تفتك بعرضها وتجعل الإهانة التي تشعر بها مضاعفة...
شبابنا بحاجة الى من يوفر لهم المناخ الملائم للدراسة والعمل والقدرة على بناء سقف وأسرة فضلاً عن حاجتهم الى من يشغلهم بأنشطة شبابية رياضية واجتماعية وثقافية تستغل طاقاتهم وتمنحهم شخصيات متوازنة نفسياً واجتماعياً مايجعل المرأة بالنسبة لهم عنصراً مكملاً لحياتهم لاوسيلة للمتعة وإشباع الغرائز فقط..شبابنا هم الرسالة الحقيقية المقبلة لمن سيخوض الانتخابات ويريد ان يفوز ويقدم شيئا للناس فهم أداة التغيير الحقيقية في أي بلد فلا تهملوهم!!
الشباب.. أولاً
[post-views]
نشر في: 9 ديسمبر, 2013: 09:01 م