ابن ضابط الشرطة التلميذ بمدرسة ابتدائية تقع في منطقة التاجي شمال العاصمة بغداد كان يستأثر باهتمام مدير المدرسة ومعلميها . ولتميزه الطبقي عن بقية زملائه ، وأكثرهم من أبناء القرى كلف بمهمة رفع العلم يوم الخميس وقراءة قصيدة "قف هكذا في علو أيها العلم " . ومن امتيازاته الاخرى احتفاظه برحلة بمفرده في مقدمة الصف وأمام السبورة .
وابن ضابط الشرطة لم يكن مستواه الدراسي جيدا ، ولم يكن متفوقا على الاخرين ، ولكن بضغط من المدير على المعلمين كان يحصل على درجات عالية في القراءة والحساب والاملاء ، أما في النشاطات اللاصفية فكان قائد فرقة الكشافة وكابتن فرق كرة القدم والسلة والطائرة .
بعض معلمي المدرسة ابدوا تذمرهم من إلحاح المدير على بذل جهود مضاعفة لتحسين المستوى الدراسي لابن ضابط الشرطة ، فهو بنظرهم "دماغ سز " ولا يستحق النجاح حتى في درس الحياتية ، وزيارات الأب المتكررة الى المدرسة للتعرف على مستوى ابنه البكر ولقاءاته بمعلميه جعلتهم يعيدون النظر بآرائهم ، بعد ان أقام الأب وليمة كبيرة ،فتمت الصفقة على ان يعتمد الابن على جهوده الذاتية في عبور امتحان البكلوريا والحصول على شهادة السادس الابتدائي ، قد تؤهله مستقبلا للالتحاق بدورة نواب المفوضين ثم يشق طريقه المهني بسلك الشرطة المعروفة سابقا وحاليا بانها بخدمة الشعب .
في صباح شتائي وفي الفرصة التي تعقب الدرس الاول توجه ابن ضابط الشرطة الى مدير المدرسة ، واخبره بانه تعرض الى سرقة درهمه ، وعلى الفور عقد المدير اجتماعا للهيئة التعليمية ، لاحتواء الأزمة ، وتقرر دعوة التلاميذ الى اصطفاف طارئ ، وبمساعدة الفراش وبقية المعلمين خضع الصغار لتفتيش دقيق بحثا عن الدرهم المفقود ،وباءت محاولاتهم بالفشل ، ولتفادي الأزمة وخشية عواقبها الوخيمة ، بادر احد المعلمين بالتبرع بالدرهم ، لكن المدير رفض المبادرة لأنها من وجهة نظره حل ترقيعي لايعالج المشكلة جذريا ، لقناعته بان ما تعرض له ابن ضابط الشرطة انتهاك فاضح لرمز حكومي ليس من السهولة تجاوزه بحلول ترقيعية ، مع تلويحه بإنزال اشد العقاب بحق من سولت له نفسه سرقة الدرهم والتجاوز على ممتلكات الآخرين .
درهم ابن ضابط الشرطة اصبح حديث المنطقة ، والمدير اجل حسم الموضوع لحين الحصول على معلومات دقيقة عن السارق ، وفي صباح اليوم الثاني ، وفي ظل أجواء الترقب وقلق التلاميذ من اتهام احدهم بسرقة الدرهم ، وصل الضابط الى المدرسة ، واخبر مديرها وبحضور المعلمين بان ابنه ادعى فقدانه الدرهم ، ولذلك لابد ان يعاقب على فعله الشائن ، فتنفس الجميع الصعداء ، وسجل الأب موقفا "بطوليا " قوبل بالشكر والاحترام .
نموذج ابن ضابط الشرطة صادفه العراقيون في كل الأمكنة والأزمنة وليس من المستغرب ان يكون مسؤولا او صاحب طموح سياسي انضم الى احدى القوائم لخوض الانتخابات المقبلة بكذبة بذل الغالي والنفيس لخدمة الجماهير.
درهم ابن الشرطي
[post-views]
نشر في: 9 ديسمبر, 2013: 09:01 م