اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ذهب الشيخ إلى صباه

ذهب الشيخ إلى صباه

نشر في: 10 ديسمبر, 2013: 09:01 م

في العام 2005 كنت في زيارة عمل لروما مع مجموعة من الأصدقاء، من مختلف الأعمار، أثارنا جميعاً مشهد النساء اللواتي بَدَوْنَ لبعضنا متبرجات، فاسقات لأنهن يرتدين البنطلون قصير السَّرج الذي تبان منه الخاصرتان وجزء طويل من شق المؤخرة بما فيه صور التاتو عند منطقة العجز، والتيشيرت القصير المعقود عند اعلى السّرة، ناهيك عن مشهد الأذرع البضة وما تحت الأبطين من رقة ونعومة .
مشاهد كانت قاسية على قلوب الكثير منا، بمن فينا الذين افتوا بحرمة النظر اليها، غير أن الانفراد بها أو اقتناءها كان مقموعاً بين التشهي والمنع. ولأن الرحلة طالت قليلا وصار المشهد العذب الجميل هذا يتكرر أمامنا يوميا، في الباص والشارع والمؤسسة الصحفية والمقهى والمطعم، فقد فوجئت بان اغلبنا لم يعد ينظر او يعلق أو يتحدث عن الحرمة والحِليّة، وما إلى ذلك مما في لغتنا من جاهزية فقهية، حتى أن أشدنا تزمتاً صار يتحدث عن البحر وساحة النافونا والمبنى التأريخي هذا والمسرح الروماني ذاك والمتحف والكنيسة القديمة حتى صارت مادة الحضارة الرومانية والحياة الجديدة التي يحياها اهل روما والمقارنة بحياتنا المتخلفة بحروبها وطوائفها ومليشياتها هي المادة الأولى كلما انعقد مجلس لنا داخل الفندق أو في الباص.
لم يعد الجسد الإنساني (أنثى او ذكر) مادة للنقاش وحديثا في الغرائز في كثير من بلدان العالم، حتى أن دعوات نسائية أخيرة في أوربا طالبت بان يكون للمرأة الحق في عدم ارتداء حمالات الصدر والقميص في مطالبة بالمساواة بينهن والرجال، بمعنى ما أنها تُمنح الحق في ارتداء ما يحلو لها كالرجل، وهي حرة في جسدها كله، ذلك لأن القضية مكفولة بالقانون والعرف أيضاً بعد ان أصبحت نظرة الرجل الفاحشة والفاسقة لجسد المرأة، ما ظهر منه وما بطن عاراً اجتماعياً، ومنقصة في الذوق والأخلاق يمقتها المجتمع. على وفق هذه لم أجد في روما غيرنا - نحن النفر القليل من العراقيين- من راح يستغور الجسد المتوسطي الأبيض هناك، يبحث فيه عن لذائذ محرّمة، ممنوعة ، ليس بيننا من فكّر بالعيب الاجتماعي، وكلنا كان يعرف حق المعرفة بان الدين واللوائح الفقهية تحرّم علينا النظرة الفاسقة، لكن واحداً بيننا لم يكن ليغض طرفه. كنت أسأل لماذا يغضُّ هؤلاء عيونهم عن(المحارم) وهم بلا لوائح فقهية، فيما رحنا ننبش نحن وبأعين من نار حمئة الجسدَ المبذولَ، نفتّش فيه عن ثُقب ما، أيَّ ثقب حتى وإن كان في كعب الحذاء، ونحن المأمورون بغض الطرف الذي هو سهم من سهام إبليس.!!
تخلصت شعوب كثيرة من مشاكل اجتماعية كثيرة فيما لا نزال نحن نفكر في إيجاد الطرق الأمثل للحديث عنها، لم نستعن بأفكار من سبقونا لفهم مشاكل الجسد لكننا رحنا نتحدث بغباء عن طهارة الروح، تركنا أطفالنا يخوضون في وحل سبقناهم اليه، وظلت نساؤنا معتقدات بأننا نملك الحل لمشاكلهن، قمعنا كل حركة يقودها الشباب في ظنٍّ منّا بانَّ ما قاموا به الباطل، جدّفنا على إرث وجهد الإنسانية في العلوم والتطور والبحث عن المستقبل ورحنا نبحث في كتب أجدادنا وأهلينا التي لم تعد تصلح طعاما لدود الأرض عن ما يغير من حياتنا، نفرح حين يحفظ أطفالنا نصاً مقدساً دونما تفكير بحجم الفائدة التي سيجنيها منه، العابهم بنادق ودبابات ولصوص وشرطة، ولأننا طيبون جداً نسمح لهم بالسفر البعيد فيقضون الأيام والليالي في البراري المفتوحة على ما لا نعلمه من سلوك أقرانهم الذين معهم هناك في الخيام والصهوات في ظنٍّ منا بانَّ ما قاموا به هو الصواب، تركنا نساءنا في جحورهن، لا يمشين ابعد من نقطة بين المطبخ والحمام وغرفة النوم حتى صرن مدوّرات، أثقلهن اللحم والشحم .حتى إذا سافرنا إلى جورجيا وتنقلنا بين مدن تبليسي وباتومي ورأينا حُور العين، الممشوقات، الخيزرانات، عبنا على نسائنا اقتناءهن اللحم وضعف الخبرة في الفراش وكثرة الشخير وتربية جيش الاطفال.
من يرد الحديث عن تغيير حقيقي في العراق لا يبدأ بالسياسة لأنها عربة خربة بامتياز، وهي أفسد مؤسسة في عراق ما بعد 2003 . نحن بحاجة الى إصلاح اجتماعي قبل كل شيء، ولنبدأ بتغيير نظرتنا للمرأة والطفل وللعلاقة بينهما، ولنعمل على تطهير نفوسنا على وفق معادلة اجتماعية قبل ان نصغي لما يقوله الشيخ العائد الى صباه دائماً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram