علي طفل في العاشرة من عمره، لم تتوفر له فرصة الدخول إلى المدرسة .. نزح مع أسرته بعد مقتل  أبيه من منطقة أبو غريب إلى النجف الأشرف،  واضطر للعمل مع خاله في مقبرة وادي السلام  ليوفر الدخل اليومي للأسرة الساكنة في احدى العشوائيات .
علي الدفّان اكتسب لقبه من عمله، وما يثير الاستغراب أنه يحمل لقبا لا يناسب عمره الصغير، وهو لا يعير اهتماما  لتساؤلات واستفسارات الآخرين عن سر اختياره مهنة دفن الموتى، وجل اهتمامه ينصبّ على حصوله على أجره اليومي ، فهو مسؤول ، أو هكذا أجبرته الظروف، عن أمه وشقيقتيه. سأله أحدهم ذات مرة  لماذا لا يعود إلى منطقته في بغداد،  فأجاب، وهو يحفر قبرا لشخص قتل بمسدس مزود بجهاز كاتم للصوت، بأنه يخشى ان يلتحق بأبيه برصاصة من إرهابي.  
 علي  يخاف القتل،  لكنه  يتعامل مع الموتى  ويشهد له الدفانة الآخرون بأنه يجيد عمله  وينجزه بسرعة ، فحجم جسمه الضئيل يتيح له حفر القبر بمدة زمنية  أقل كثيرا من الكبار ذوي الأحجام الضخمة ،فهؤلاء يواجهون صعوبة في الحركة فيستعينون بخدماته، وفي بعض الأحيان يكون ذلك بعد مغيب الشمس لدفن الموتى وتلقينهم ثم قراءة سورة الفاتحة على أرواحهم .
 ماكنة الموت في العراق سلبت طفولة علي  فحرمته  من فرص التعليم ، وأجبرته على ترك قريته والتوجه إلى مكان آخر مع أسرته لتكون قريبة من قبر الأب ، لتسجل ضمن  ضحايا الإرهاب مع أمل الحصول على راتب تقاعدي لرب الأسرة الذي كان يعمل  سائق سيارة أجرة سرقت منه وربما فخخت  وتم تفجيرها في مكان آخر. والطفل علي يباشر عمله في الصباح الباكر، يعمل بصمت فاستغل الكبار جهده، وتلك صفحة أخرى من مأساته، ولصغر سنه لا يقبض من الثمن إلا القليل .
هل  توجد في دول العالم نسخة مشابهة لعلي الدفان ؟  ربما في البلدان الفقيرة  يوجد هكذا نموذج ، ولكن في بلد نفطي ، وديمقراطي تعددي اتحادي ، وإلى آخر هذه الأوصاف من المستحيل أن يلجأ طفل في العاشرة  من عمره لمزاولة مهنة دفن الموتى لسد رمق أفراد الأسرة ، ولاسيما ان  السياسيين  وقادة الأحزاب، فضلا عن المسؤولين من  صغيرهم إلى كبيرهم،  واستنادا إلى دستورهم وبرامجهم ، يتبارون في الإعلان عن سعيهم لرفع المظلومية عن الشعب العراقي ، وبذل الجهود للقضاء على الإرهاب ثم الحرمان والفقر. ومن سمع التصريحات  نام على أمل تحقيق الوعود ، أما علي ففضل العمل في المقبرة ، وظلت أمه تراجع الدوائر  الرسمية للحصول على راتب تقاعدي لليتامى .
المسؤولون والسياسيون  الحريصون على زيارة المقبرة لقراءة سورة الفاتحة على أرواح موتاهم لاشك أنهم  شاهدوا الدفان الصغير، وربما منحوه ألف دينار أو أكثر  تكفيرا عن ذنوب سابقة أو لمضاعفة الحسنات ، ولم يستفزّهم عمله حفارا للقبور ، لأن اسم علي لم يدرج بعد في سجل الناخبين!