TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مانديلا الأكرم عند الله

مانديلا الأكرم عند الله

نشر في: 13 ديسمبر, 2013: 09:01 م

ليس غير الشعور بالغثيان والاشمئزاز والعار، بعد قراءة ما نشره "عبد الرحمن البراك"، الذي يعتبره البعض مرجعية فقهية، مُستهجناً أية إشادة بمآثر "الهالك الكافر منديلا"، باعتبار أنه ليس للرجل ما يُحمد عليه، إلّا ما يُذكر عنه من تصدّيه لمقاومة العنصرية في بلاده، وصبره على الأذى في ذلك، وكأنّ ذلك لايكفي لأن نحني رؤوسنا احتراماً لجهاده، واستعداده "للشهادة" في سبيل حرية وطنه ومواطنيه، ومع أن البراك يعترف بأن الشرع لايمنع ذكر الخصال الحميدة "للكافر"، فإنه يُشدد أنه لامبرر للتبجيل والتمجيد والإطراء المُشعر بالاحترام والولاء، وهو يرى بعين حولاء وفكر منغلق تماماً، أن مانديلا الذي يحظى باحترام أعدائه قبل أصدقائه، وقبلهم جميعاً مواطنوه من البيض والسود، أن كفر مانديلا أغلظ من كفر عوام النصارى، وهو هنا يُكفّر عامة المؤمنين برسالة السيد المسيح، ويعتمد في ذلك على ما نقل إليه، دون أن يتوثق من أن الرجل نشر الفساد في البلاد، من الزنا والفجور وشرب الخمور.
لايتورع البراك أن يخلط في فتواه بين الدين والسياسة، وهو يؤكد أن التمجيد الذي طفح به الإعلام العربي لمانديلا، إنما هو بسبب رضى أميركا وهيئة الأمم عنه، ولأنه فقط نصراني، فلو كان مسلماً ما نال هذه الإشادة، وهذا التعظيم والتضخيم، ويستكثر علينا وهو يصفنا بالجُهّال الترحم على الرجل، وهي منزلة عنده أبلغ من الاستغفار، باعتبار أن النصارى كفار مشركون، والمترحم على الكافر إن كان يعتقد أنه على دين صحيح فقد وقع في ناقض من نواقض الإسلام، فإن عُرِّف وأصرَّ كان مرتداً، وإن كان لا يعتقد بصحة دين هذا النصراني، فترحمه عليه جهل وضلال، وقد ارتكب مُحرّماً في دين الإسلام بإجماع العلماء.
تطرح التصريحات العجيبة لفقيه الكتاتيب هذا سؤالاً، عن أية ثقافة مطلوبة سيادتها في مجتمعاتنا، ويمكنها تسفيه ما أنجزه الملايين من غير المسلمين، لمجرد أن رجلاً أطال لحيته، وحظي برضى السلطان، يُصدر فتوى مثقلة بالكراهية وعداء الآخر، حد تكفيره وتكفير من يحترمه حتى بعد موته، رغم أن نضال رجل كمانديلا كان مُحفزاً لنضال أجيال من العرب والفلسطينيين، ضد العنصرية الصهيونية، ويستمد الألوف من الأسرى في سجون الاحتلال من تجربته عزماً وصموداً يُعينهم على محنتهم، لكنها الفتنة تلبس ثوباً جديداً بعد تكفير مذاهب إسلامية، وجر المسلمين إلى حرب شرسة ضد بعضهم البعض، في العراق وسوريا والباكستان، وربما كانت مصر وجهة الفتنة الجديدة المراد إيقاظها، لتندلع بين المسلمين والأقباط.
يقينا أن مانديلا كان أقرب إلى أخلاق الرسول الكريم، حين تمثّله بعد انتصاره في الصفح والتسامح، وهو أكثر قرباً من أخلاق الإسلام، من شيوخ الفتنة الذين لم يعرفوا يوماً معاني الصفح والتسامح واحترام الآخرين، وكان كل همهم زرع الشقاق، وتمجيد أحزمة القتل الناسفة، لتعمل في أجساد الأبرياء من أبناء أمتهم وشعوبهم، ويقيناً أن مانديلا كان أقرب إلى أخلاق الإسلام، بزهده في السلطة وبهرجها، من هؤلاء الذين أشبعونا إفتاء عن القيم، بكنهم لم يقدموا لنا مثلاً واحداً على صدق التزامهم بها، وظلّوا في كهوف ظلاميتهم، "يجاهدون" في تحطيم نماذج النبل والمكافحين لصالح حرية الانسان حيثما يكون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    لقد تحدثت وافضت جزاك الله خير جزاء يااستاذ حازم ان شخصيا لم اعرف هذا البراك شخصيا هل هو مرجع ام استاذ شريعة او حوزة لااعرف بالضبط ولكن اللا يكفي ان هذا الرجل لايؤمن بالعنف ولا بسفك دم انسان ويدعوا الى التسامح فتلك هي مبايء الاسلام يابراك ومن قال لك ان ال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram