ليس غير الشعور بالغثيان والاشمئزاز والعار، بعد قراءة ما نشره "عبد الرحمن البراك"، الذي يعتبره البعض مرجعية فقهية، مُستهجناً أية إشادة بمآثر "الهالك الكافر منديلا"، باعتبار أنه ليس للرجل ما يُحمد عليه، إلّا ما يُذكر عنه من تصدّيه لمقاومة العنصرية في بلاده، وصبره على الأذى في ذلك، وكأنّ ذلك لايكفي لأن نحني رؤوسنا احتراماً لجهاده، واستعداده "للشهادة" في سبيل حرية وطنه ومواطنيه، ومع أن البراك يعترف بأن الشرع لايمنع ذكر الخصال الحميدة "للكافر"، فإنه يُشدد أنه لامبرر للتبجيل والتمجيد والإطراء المُشعر بالاحترام والولاء، وهو يرى بعين حولاء وفكر منغلق تماماً، أن مانديلا الذي يحظى باحترام أعدائه قبل أصدقائه، وقبلهم جميعاً مواطنوه من البيض والسود، أن كفر مانديلا أغلظ من كفر عوام النصارى، وهو هنا يُكفّر عامة المؤمنين برسالة السيد المسيح، ويعتمد في ذلك على ما نقل إليه، دون أن يتوثق من أن الرجل نشر الفساد في البلاد، من الزنا والفجور وشرب الخمور.
لايتورع البراك أن يخلط في فتواه بين الدين والسياسة، وهو يؤكد أن التمجيد الذي طفح به الإعلام العربي لمانديلا، إنما هو بسبب رضى أميركا وهيئة الأمم عنه، ولأنه فقط نصراني، فلو كان مسلماً ما نال هذه الإشادة، وهذا التعظيم والتضخيم، ويستكثر علينا وهو يصفنا بالجُهّال الترحم على الرجل، وهي منزلة عنده أبلغ من الاستغفار، باعتبار أن النصارى كفار مشركون، والمترحم على الكافر إن كان يعتقد أنه على دين صحيح فقد وقع في ناقض من نواقض الإسلام، فإن عُرِّف وأصرَّ كان مرتداً، وإن كان لا يعتقد بصحة دين هذا النصراني، فترحمه عليه جهل وضلال، وقد ارتكب مُحرّماً في دين الإسلام بإجماع العلماء.
تطرح التصريحات العجيبة لفقيه الكتاتيب هذا سؤالاً، عن أية ثقافة مطلوبة سيادتها في مجتمعاتنا، ويمكنها تسفيه ما أنجزه الملايين من غير المسلمين، لمجرد أن رجلاً أطال لحيته، وحظي برضى السلطان، يُصدر فتوى مثقلة بالكراهية وعداء الآخر، حد تكفيره وتكفير من يحترمه حتى بعد موته، رغم أن نضال رجل كمانديلا كان مُحفزاً لنضال أجيال من العرب والفلسطينيين، ضد العنصرية الصهيونية، ويستمد الألوف من الأسرى في سجون الاحتلال من تجربته عزماً وصموداً يُعينهم على محنتهم، لكنها الفتنة تلبس ثوباً جديداً بعد تكفير مذاهب إسلامية، وجر المسلمين إلى حرب شرسة ضد بعضهم البعض، في العراق وسوريا والباكستان، وربما كانت مصر وجهة الفتنة الجديدة المراد إيقاظها، لتندلع بين المسلمين والأقباط.
يقينا أن مانديلا كان أقرب إلى أخلاق الرسول الكريم، حين تمثّله بعد انتصاره في الصفح والتسامح، وهو أكثر قرباً من أخلاق الإسلام، من شيوخ الفتنة الذين لم يعرفوا يوماً معاني الصفح والتسامح واحترام الآخرين، وكان كل همهم زرع الشقاق، وتمجيد أحزمة القتل الناسفة، لتعمل في أجساد الأبرياء من أبناء أمتهم وشعوبهم، ويقيناً أن مانديلا كان أقرب إلى أخلاق الإسلام، بزهده في السلطة وبهرجها، من هؤلاء الذين أشبعونا إفتاء عن القيم، بكنهم لم يقدموا لنا مثلاً واحداً على صدق التزامهم بها، وظلّوا في كهوف ظلاميتهم، "يجاهدون" في تحطيم نماذج النبل والمكافحين لصالح حرية الانسان حيثما يكون.
مانديلا الأكرم عند الله
[post-views]
نشر في: 13 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
لقد تحدثت وافضت جزاك الله خير جزاء يااستاذ حازم ان شخصيا لم اعرف هذا البراك شخصيا هل هو مرجع ام استاذ شريعة او حوزة لااعرف بالضبط ولكن اللا يكفي ان هذا الرجل لايؤمن بالعنف ولا بسفك دم انسان ويدعوا الى التسامح فتلك هي مبايء الاسلام يابراك ومن قال لك ان ال