ينافس ملصق مئوية دالي الإعلانات التجارية في شوارع مدريد يتقاسمه وجه الفنان و صورة عمل فني للتلفون التقليدي الذي أبدل دالي سماعته بحيوان اللوبستر البحري، أكبر القشريات الثمينة التي تزين موائد الأثرياء ،ويبدو ان اختيار المشرفين على المعرض لهذه المنحوتة السوريالية كان اختزالا لتأثير دالي في الحياة الحديثة وانغماسه في تحطيم الأشكال الكلاسيكية والرؤى البورجوازية وتحويل الواقع إلى حلم كابوسي مستمر، وبذلك ينجح دالي في إزالة التخوم الفاصلة بين استعراضيته الفضائحية ومرضه النفسي ليتحول إلى ظاهرة ملهمة يلازمها هوس بالمال وعشق الذهب فيشترط دالي ثمنا لبعض أعماله سبائك ذهبية ينتشي بملمسها ويتعبد أمامها.
تمثال سيدة الخصب النصفي منحوتة دالي الشهيرة بدت كعمل مبتذل مصبوغ بألوان دمى البورسلين الصينية وسط قاعة العرض الأولى فقد وضع على رأسها رغيف خبز فرنسي طويل بينما جعل ضفائرها عرانيس ذرة مكسوة بقشرة من الذهب و فوق جبينها وصدغها الأيمن رسم رتلا من النمل الأسود.
رؤى سريالية مدهشة ومريعة تتزاحم مع كوابيس وأحلام غرائبية تحول أجساد رجال ونساء إلى خزانات بأدراج مفتوحة خاوية ، يكررها في تماثيل أخرى لكائنات مشوهة ، بينما يظهر وجه معبودته جالا على تمثال مصغر للعذراء وفي إحدى قاعات المعرض تعرض أفلام إعلانية قصيرة على شاشات تلفزة يمثل فيها دالي إعلانا عن سيارات أمريكية ، وفي إعلان ثانٍ يروج لجوارب نايلون نسائية وبين المنحوتات يتكرر ظهور ساق نسائية أنموذجيه مكسوة بالجوارب، بينما يشكل إعلانه عن الحلوى مشهدا هزليا وهو يلتهم الشيكولاتة، في القاعة الأخرى كان الحضور يتزاحمون وقوفا وجلوسا على مقاعدها القليلة المكسوة بالمخمل النيلي لمشاهدة فيلمين صامتين صنعهما المخرج لوي بونويل ودالي هما ( الكلب الأندلسي) و( العصر الذهبي ) ، وكان فيلم الكلب الأندلسي قد بدأ عرضه – المشاهد السوريالية مريعة ومقززة، قال دالي عن الفيلم في كتاب أنا والسريالية ( تمنيت أن أرى المشاهدين مغشيا عليهم أثناء المشاهد الأولى لأنه تحققٌ مدهش للسادية التي تستدعي المازوخية الكامنة في الجميع ) . كانت المشاهد المفزعة تفضح عفن الكائنات البورجوازية وهراء الفن الطليعي حسب رؤية دالي، وبدا الممثل( بيير باتشيف ) مأخوذا مخدرا يترنح بين الموت والحياة مثل محتضر، يقول دالي بنبرة متعجرفة ( لقد انتحر باتشيف في اليوم الأخير للتصوير وكأنه الأضحية المكرسة ليتحقق لي المجد العظيم)
لو كان دالي حاضرا لدخل المعرض صحبة جالا وسط هالة من شموس مبهرة متنكرا بملابس مارس إله الحرب مثلما دخل معرضه في نيويورك وهو محمول في تابوت ليقفز منه ويفاجئ الحاضرين .وفي معرض آخر دخل وهو يقود بقرة ووصل إلى جامعة السوربون ليحاضر ،وفي سيارته حمولة هائلة من القرنابيط ساخرا من التقاليد الأرستقراطية الفرنسية ليؤكد اختلافه بطرائق صادمة.
يعترف دالي في كتابه أنا والسوريالية أنه كان مصابا برؤى بارانوية وهذيانات لم يهذبها سوى الحب وأن زوجته المعشوقة جالا حولت ما يطارده من مخاوف ونوبات جنون إلى عبقرية مبدعة وأبدلت النزعة الشريرة في روحه إلى فن مذهل بفعل عطاياها في الحب ( لقد أتاحت لي جالا أن أرتقي إلى مراتب روحية بفعل طاقة الحب وأزاحت قلقي من الموت ولم أتمادَ بجنوني لأنها ضبطت هذياناتي وبفضلها استطعت التفرقة بين الحلم والحقيقة،وبذكائها نجحت بتطوير حاستي الموضوعية ، جالا حقيقتي الحميمة وبديلي) كشفته المحبوبة لنفسه ووجّهت أفكاره للنور والإنجاز ،وبمساعدتها تحوّل التراب بين يديه إلى فنّ وذهب.
رحلة جزر الكناري معرض مئوية دالي: عبقريته وجنونه ومعشوقته جالا
[post-views]
نشر في: 14 ديسمبر, 2013: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابو نواف
انا اخوكم من السعوديه وسأل الله رب العرش العظيم ان يحفظ العراق واهله من كل سوء ووالله ما نتمنى لكم الا كل خير