يقول علماء النفس ان الذاكرة بعيدة المدى تنشط عند الكبر بينما تضعف قصيرة المدى. لذا تجدنا، نحن كبار السن، قد ننسى أين وضعنا النطّارة او ماذا تناولنا في الفطور قبل ساعة. لكننا نتذكر جيدا اليوم الأول الذي دخلنا به المدرسة الابتدائية او أرجوحة تأرجحنا بها في العيد. فانا شخصيا أكاد أتذكر جيدا كل محفوظات الابتدائية لكني الآن قد يصعب علي حفظ بيت واحد من الدارمي.
والذكريات البعيدة، كما تجلب المسرات، تجلب معها الأوجاع. ومسراتنا في أيام الطفولة والصبا سهلة المنال. فأنا مثلا كنت استمتع بأيام شبابي حين اقصد مقهى أبو عباس في قطاع 13 بمدينة الثورة لأتفرج على "أبو صباح" حين يلعب "الدومنة" وتعكس معاه فيقلب الدنيا بعصبيته وشتائمه. مرة رمى "ببول الدوشيش" على أحد السطوح لأنه "إنكتل" بيده ثلاث مرات فتسودن أبو عباس.
ليلة الخميس الفائت مرت صورة أبي صباح وعصبيته ببالي فاشتقت لحضور جلسة للعب "الدومنة" على الطريقة العراقية. فجأة نشطت الذاكرة قصيرة المدى فتذكرت أصحابا عراقيين لي هنا، لا علاقة لهم بالهم الثقافي أو السياسي. لا يجمعهم غير حب "الدومنة" والحنين للوطن. قصدتهم مشيا على الأقدام لسببين: الأول اني أعشق المشي بشوارع لندن في ليالي الشتاء الباردة. والثاني ان مكان تجمع الأصحاب ليس بعيدا عن سكني. وصلت المكان واذا باللعب على أشّده.
الذي اعرفه فيهم أكثر من الآخرين وجدته متوترا. همس بأذني احد الموجودين ليخبرني بان حظه اليوم عكس. فجأة صاح بخصمه: متقلي انت شنو، شايل خرزة لو حرز؟ قلت له: شبيه؟. رد علي بربك احنا نلعب "آزنيف" وتجيني خمس "يكات" وبيده "الهب يك"؟ لا هاي صعبة يعني راح يسحب "الدومنة" كلها ويسجل على راحته. لم يتحمل الشاكي كثيرا فطشر "الدومنة" وقال لمنافسه: بابا انت على هذا الحظ ليش ما تروح ترشح رئيس وزراء بالعراق؟ ضحكت وقلت له: وشجاب هاي على هاي؟ ليش هو اكو واحد محظوظ ابها الدنيا مثل المالكي؟ انطيني مسؤولية وحدة يقوم بيها: الأمن؟ أشو الناس تتجطل بالشوارع والمفخخات مسودة حياة الناس وهوه اديه بجيوبه لا يحل ولا يربط. اقتصاد؟ أشو ما شاء الله الناس ببيوت التنك والميزانية عامرة والأطفال والنساء تجدي بالشوارع. خدمات؟ غرگ العراق بالمطر وهوه ولا چنّه. بروح ابوك انت جاوبني وانت دتشوف كل هذا الخراب الواصل من راس العراق الرجليه، هم سمعت المالكي اعتذر او ربعه گالوا مقصر؟ اجبته بصراحة مال هو محظوظ نعم محظوظ ونص. سألني هو هذه المرة: انت تعرف المحظوظ شوكت يبين؟ شوكت؟ من الله يسلطه على واحد ما محظوظ!
عرفت قصده فقلت له بحسرة: أويلي على حظّك يا عراق.
حظّـك يا وطـن
[post-views]
نشر في: 15 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
والله ياخي لااعرف اين حظه اللي يتحمل كل هذا الفشل والعار والخزي وسخام الوجه والكل داكله طبل ليس بمحظوظ امداه وامده حظه
كاظم الأسدي
نعم يادكتور هاشم .. حقا إنه حظ العراقيين العاثر !!ذلك الذي يحرمهم من تلك الكفاءات التي تبني العالم بدوله المتقدمة والمتخلفة !!فيما يجثم على صدره الأميين والإنتهازيين وعبدة المال والنفوذ من ذوي النفوس الوضيعة والنظرة المحدودة التب لاتتجاوز أنوفهم