كلما ازدادت أزمات المعارضة السورية، تتزايد الشكوك حول إمكانية نجاح جنيف 2، في وضع حل للأزمة السورية، فهي مقبلة على أحداث مرعبة، خصوصا لجهة تمسك الأسد بالسلطة، مع تراجع نفوذها أمام الجماعات الإسلامية المتطرفة، وامتناع لندن وواشنطن عن تزويدها بمساعدات عسكرية ولو غير مميتة بعد هزيمتها أمام التنظيمات الإسلامية، التي سيطرت على مقرات ومخازن أسلحة الجيش الحر، في المناطق الشمالية، وفرضت سيطرتها على أهم المعابر الحدودية مع تركيا، ما دفع بعض قياديي المعارضة لإبداء استعدادهم لضم ممثلين عن مقاتلين إسلاميين، في الوفد الذي سيتوجه إلى جنيف، رغم أن واشنطن تعهدت مؤخراً بالاستمرار في دعم المعارضة السورية "المعتدلة"، ما يعني عملياً فقدان هذا الدعم، إن بات الاسلاميون فصيلاً مقبولاً عند الائتلاف، الذي يوصف غربياً بالمعارضة المعتدلة.
في الأثناء حذّر مدير سابق للمخابرات الأميركية، من أن انتصار الرئيس الأسد قد يكون الأفضل بين سيناريوهات مرعبة، لا يتضمن أي منها انتصار المعارضة، ومنها تفتيت البلاد بين فصائل متقاتلة وما يلي ذلك من تبعات خطيرة على المنطقة برمتها، أو استمرار المعارك إلى ما لا نهاية على أسس طائفية، بين المتطرفين السُنّة والشيعة، مع الكلفة الأخلاقية والإنسانية الباهظة لهذه الفرضية، ومع كل ذلك، والتطورات العسكرية لصالح القوات النظامية على الأرض، فإن مواقف المعارضة من جنيف الثاني متباينة، وتراوح بين طرف متحمس للمشاركة، ويرى في المؤتمر نقلة مهمة تضع الصراع السوري في مسار جديد، وآخر يرفض بشكل مطلق التفاوض مع النظام، في حين يبدي آخرون مخاوفهم أن تفضي المشاركة في مؤتمر غامض ومبهم، إلى مد النظام ببعض أسباب الشرعية، ومنحه الغطاء والوقت كي يتوغل أكثر في العنف والتنكيل.
وفي حين تضع أطراف أخرى محسوبة على المعارضة شروطاً، لايبدو أن رعاة المؤتمر يأخذونها بعين الاعتبار، كالإقرار سلفاً بتنحية الأسد وأركان نظامه، ومحاسبتهم على ما ارتكبوه، أو رفض مشاركة إيران في المؤتمر، في حين يهدد المجلس الوطني ومكونات رئيسة في الجيش الحر، بالانسحاب من الائتلاف الوطني في حال مشاركته في المؤتمر، قبل تعديل موازين القوى القائم مع النظام والجماعات الإسلامية المتشددة، ما يُعطي صورة حقيقية عن معارضة ضعيفة ومضطربة ومشتتة، لا تمتلك أية رؤية واضحة بشأن مشاركتها في المؤتمر، فضلاً عن مستقبل البلاد، فإن النظام يبدو متماسكاً، وقادراً على الاستفادة من أخطاء معارضيه، والتقدم عسكرياً، وبناء قاعدة دولية لإعادة تأهيله كرأس حربة ضد المتشددين الإسلاميين، مستفيداً من دعم ايراني غير محدود، ومشاركة مذهبية تأتيه عبر الحدود، من لبنان والعراق وأخيراً من اليمن.
عشية جنيف الثاني إذا انعقد، تتعاظم حالة الاستخفاف بقدرة المعارضة السورية ودورها، فهي غير مقنعة للمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، وهي عند أطراف غربية وعربية رخوة، بحيث تقبل سريعا كل الضغوط والإملاءات، إضافة لفقدانها ثقة واحترام شعبها، بعد أن خيبت أمله عند كثير من المفاصل والمنعطفات، ما يعني أن دورها في المؤتمر لم تعد له قيمة، لأسباب أخرى عديدة، منها طبيعة تكوينها من منابت سياسية غير متجانسة، وارتهانها إلى أجندات خارجية، ما أفقدها القدرة على بناء مواقفها السياسية الواضحة والمطلوبة، لإقناع العالم بها بديلاً للنظام، إضافة إلى غربتها عن الحراك الشعبي في الداخل، الذي اتجه إلى عسكرة تحركاته، رداً على عنف السلطة وجبروتها، وبحيث لم تعد هذه المعارضة، أو المعارضات، قادرة على استنباط دور سياسي يتفاعل مع الحراك الشعبي، خاصة في شقه العسكري المتشرذم والمتصارع، ما ولد حالة يقينية بشأن كفاءتها، وقدرتها على قيادة أي تغيير محتمل.
جنيف 2 وإمكانات النجاح
[post-views]
نشر في: 16 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
نورسليمان
رائع كعادتك استاذ حازم مبيضين الكاتب الكبير والصحفى الراقى ...تحليلك رائع وهام جدا يعطى للاحداث بعدا اخر ... خالص محبتى لك