اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > عراقيات شجاعات يتحدّين التقاليد ويطمحن إلى المساواة

عراقيات شجاعات يتحدّين التقاليد ويطمحن إلى المساواة

نشر في: 16 ديسمبر, 2013: 09:01 م

يزخر العراق بنساء يوازين، إن لم يكن يفقن، الرجال، ولهن دوافعهن وكفاحهن فضلا عن أحلامهن بالعدل والمساواة بالرجل، على رغم تقاليد سائدة، تضم الغث والسمين، قد ضربت جذورها في مكونات المجتمع المختلفة وينظر اليها على أنها تعرقل تقدم نصف المجتمع.تتجمع نسوة،

يزخر العراق بنساء يوازين، إن لم يكن يفقن، الرجال، ولهن دوافعهن وكفاحهن فضلا عن أحلامهن بالعدل والمساواة بالرجل، على رغم تقاليد سائدة، تضم الغث والسمين، قد ضربت جذورها في مكونات المجتمع المختلفة وينظر اليها على أنها تعرقل تقدم نصف المجتمع.
تتجمع نسوة، لا يقل جمالهن عن قوة عزيمتهن، عند الساعة السادسة صباحا بالقرب من بوابة عملاقة، استعداداً لبدء يوم تدريب طويل، يوم يبدؤه بعضهن بجمع أزهار ملونة يرتبنها في مزهرية تنم عن ذوق نسائي رفيع.
وعلى رغم ارتدائهن البزة العسكرية و"البسطال (حذاء عسكري)"، إلا أن بزاتهن تفوحُ بالعطر فيما يجذب النظر شعرهن الأسود والأشقر والقصير والطويل، وفي حين ترى شفاه نساء ملونة، تجدها نفسها تصيح بحدة في أثناء التدريب. وسواعد تَجَمَلَ بعضها بالحُلِي هي نفس الأذرع التي تشير بالتحرك والتنبيه والأوامر العسكرية الصارمة.
"النساء أحببن الرجال وأنا عشقت السلاح"
بأجسادهن الممشوقة وبضربة قدمٍ يسرى، تصرخ الأرض تحتها، يؤدين التحية العسكرية، ومنذ باكورة الصباح البارد ينصرفن لتدريب اللياقة البدنية. هكذا هي الحياة داخل معسكر (قيادة قوات 70)  للنساء البيشمركة (حرس الإقليم الكردي)  في محافظة السليمانية التابعة لإقليم كردستان العراق. الفوج النسائي ضمن اللواء 106 تشكل في عام 1996 ويضم ما بين 500 إلى 600 مقاتلة من شمال العراق ووسطه، وما بين جندي وعريف وملازم ونقيب ورائد، هكذا تتدرج الرتب حتى تصل إلى العقيد ناهيدة أمر الفوج الخاص بالنساء البيشمركة منذ عام 2006.
ناهيدة أحمد رشيد، 47 عاما، مناضلة مخضرمة ضمن التنظيمات الكردية وشيوعية سابقة مذ ثمانينيات القرن الماضي. "النساء أحببن الرجال وأنا منذ صغري عشقت وحلمت بحمل السلاح"، تقولها وترسم الابتسامة على شفتها مبدية أسنانها اللؤلؤية، وأردفت بالقول بعد أن أختفى اللؤلؤ:
 "قتل قدوتي، أبن عمي عِبرَ سحلهِ بالسيارة وطمرهِ بحفرة مجهولة على أيدي قوات البعث، ما دفعني لحمل السلاح".  
هكذا تبدأ رشيد حديثها واصفةً بدء انخراطها في العمل المسلح. وتواصل القول وهي تزم شفتاها وتشابك أصابعها بقوة على المنضدة: "ليس بمقدور أي امرأة أن تكون بيشمركة مالم تتصف بالصبر والقوة".
وفضلاً عن ذلك، يشترط على الراغبة بالانضمام أن تكون عراقية بالغة سن الثامنة عشرة، وتتمتع بالسمعة الحسنة، وحاصلة على شهادة الدراسة المتوسطة في الأقل.
وتتطلع عبر نافذة غرفتها بعيداً، ثم تقول بهدوء: "لصغر عمري وقلة خبرتي، اكتشفوا نشاطي في الحزب الشيوعي في عام  1982، وتم إصدار أمر القبض علي". وتضيف " لكنني هربت واختفيت ثلاثة  أيام في زريبةٍ للحيوانات".
في ما يسمى بمعسكر السلام سابقاً، تتعلم المرأة الدفاع "بالعقل والحجة لا باليد فقط،"، فتتلقى  تدريب المشاة وأسلحة الكلاشنكوف والهاون والدوشكا وبنادق القناص والآر بي جي، فضلاً عن تدريبات الدفاع عن النفس ومجابهة العدو. وتلقي المحاضرات السياسية وتلك المتعلقة بحقوق الأنسان، كذلك تتعلم القراءة والكتابة من خلال مركز متخصص في المعسكر بحسب رشيد. وهنا ترفع القلم لتسلم البريد الى جندي شعبة الواردات، وبعد ابتسامة سريعة تضيف:  
"ارتديت اليشماغ في عام 1995 وقاتلت الإسلاميين المتشددين حاملة آر بي جي، كنت وقتها أمراً للمفرزة في منطقة سيد صادق".
وأشتمل هذا الفوج النسائي على عراقيات، كرديات وعربيات، فهو بحسب رشيد "فوج العراق كله". وتحتد نبرة صوتها وتضيف: "فأينما تكون المرأة، قضيتها واحدة، هي السلام عبرَ المطالبة بالعدالة والمساواة".  

بزوغ الأمـــــل
بخطوات بطيئة ومتزنة، مشت ثم وقفت أمام لوحة علقت وسط جدارٍ أبيضٍ عريض، خُطَ فيها: المساواة لا تعني العدالة، وقالت: "المرأة لا تحتاج إلى مساواة ميكانيكية، بل الى عدالة تحقق المساواة، من خلال تمكين الشخص بحسب قابليته ليتساوى مع الآخر، وهذا واجب الحكومات والأفراد".
وتم تقديم هناء أدور وهي تتسلم جائزة "تكريم" في باريس بوصفها "امرأة العام 2013 العربية" على أنها "امرأة عربية عُرِفَت بريادتها الفكرية وأبدت شجاعة في مواجهة المحن وأثبتت أنها قدوة لغيرها من النساء العربيات".
ولدت أدور في البصرة الفيحاء جنوبي العراق عام 1946، عرفت بنشاطها السياسي وهي طالبة بكلية الحقوق في جامعة بغداد، ثم غادرت العراق في سبعينيات القرن الماضي للعمل في اتحاد النساء الديمقراطي العالمي لتمثيل رابطة المرأة العراقية.
تقول أدور: "عدت من ألمانيا الشرقية إلى دمشق، إذ كان من المتعذر العودة إلى بغداد، وتلقيت تدريبا عسكريا مع المقاومة الفلسطينية عام 1981، ثم التحقت مع الأنصار بجبال كردستان العراق لمدة ثلاث سنوات".
وتردف بالقول: "ذهبت إلى الجبل في مهمة سياسية ولإعادة تشكيل رابطة المرأة العراقية، لكن بعد ضرب مقرات الأنصار بالأسلحة الكيمياوية في 1988، غادرت الى موسكو لدراسة الفلسفة الماركسية في معهد العلوم الاجتماعية".
وعن الأمل والعودة لأحضان الوطن، تستذكر بعينين دامعتين: "توسعت تجربة الأمل بعد تحقق حلم العودة لبغداد في 18 نيسان 2003 مستفيدين من تجربة الأمل المطلقة أول مرة في أربيل بعد حرب الخليج بتبرعات عراقيي المهجر".
عشق أدور للكفاح المدني لم يقل عن كفاحها المسلح إذ تقول: " لدينا الآن ستة مكاتب للأمل من الشمال الى الجنوب وجذبنا المعنفات لمراكزنا الإرشادية".
وتضيف: "تمكنا كمنظمات أن ندفع الحكومة على اصدار استراتيجية مناهضة العنف ضد النساء وقانون الإتجار بالبشر وضمنه الإتجار بالنساء".
سددت مبلغ 50 ألف دينار لمصطفى، رجل سوداني بسيط تساعده لدفع تكاليف الحصول على وثيقة أقامته في العراق، وقالت مبتسمة بعد أن وَدَعَتهُ وصمتت لبرهة: "مواجهتي الموت مرات في جبال كردستان أعطتني الحصانة ضد الخوف، هناك حيث كانت الجهات التركية تقصف مقراتنا وأفقدتني رفيقتي موناليزا".
تزفر لتردف: "أذكر حينما قتلت، كانت ترتدي قميصا أبيضا وتمتطي بغلاً بين الجبال". وتضيف وهي تحرك خاتمها الفضي وتعيده، فهي امرأة لا تتزين بالذهب: "لا تزال أمامي تحديات أعيشها وأمارسها بعملي وغايتي

تحقيق السلام وسط العنف".
تتلقى أتصالا من امرأة تشكو اليها عدم موافقة الجهات المختصة إصدار جواز سفر لها لأن القانون العراقي لا يجيز ذلك الا بعد موافقة ولي أمرها، ثم تقول أدور "طرحنا مسودة قانون بالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون المرأة يتضمن افتتاح ملاجئ للنساء المعنفات وتشكيل محكمة متخصصة في قضايا العنف الأسري"، وتضيف وهي متفاجئة بالنتيجة "وجاء الرفض من البرلمانيات أولاً"!    
السياسية العراقية لا تستطيع تجاوز المنطق العشائري
"السياسية العراقية لا تستطيع تجاوز المنطق العشائري للمجتمع، وطرح فكرة مخالفة مثل فتح الملاجئ للمعنفات، فهنا الأعراف تعلو على القوانين والدين". بهذا القول تبرر النائب لقاء وردي، 42 عاما، رفض البرلمانيات قانون الحماية من العنف الأسري.
ولم تصل حقوق الانسان في العراق لمستوى تدارى فيه مشاعر المرأة وتنقذها من العنف، خاصةً بعد تجاوز الخط الأحمر للحقوق منذ بدء إزهاق الأرواح في الشارع.
وتضيف النائب وردي، رئيس لجنة الهجرة والمهجرين: "في مجتمعنا مناهضة العنف ضد المرأة لا يعتبر من الأولويات بل من الكماليات المرفهة"، هكذا تصف وردي الوضع في العراق حاليا.
 وزادت بالقول "ستشهد المرحلة المقبلة ثورة نسائية في ترأس الكتل، خاصةً أن المرأة لم تشارك في المرحلة الماضية في صنع القرار بسبب تهميش الأحزاب التي يشكل الرجال معظم عناصرها".

للمجتمع كلمـــــة الفصل  
للمجتمع العراقي عموما عاداته وتقاليده التي تضع خطاً أحمر تحت مسمى "عمل المرأة". فالكثير لا يتقبلون عملها الا في مجال الطب أو التعليم، فكيف الحال بالمرأة التي تحمل السلاح، أو المرأة السياسية، يقول محمد عبدالحسن أستاذ علم الاجتماع في مركز الدراسات والبحوث التربوية في بغداد: "لولا الكوتا المفروضة لما وجدنا امرأة واحدة تصعد الى البرلمان، حتى في الاحزاب الدينية أصبحت المرأة تزويقا وديكوراً إعلامياً".
في الشارع العراقي لا تعامل المرأة على وفق الدستور، وعلى أساس أنها تساوي الرجل أمام القانون، وإنما على وفق المنظومة البدوية التي تراها كظل للرجل، لهذا نرى أن السياسية تكون محط تندر الشارع وورقة في يد الأحزاب السياسية" هذا ما وصفه عبدالحسن.
ويردف "أما المرأة العاملة في السلك المسلح، فهي تعاني قلة فرص الزواج ولو حاول رجل الارتباط بها فسيواجه رفض عائلته وعشيرته".
وعلى الصعيد الشعبي، تحتاج السياسية الى دعم من المرأة كي تمثل السياسية المرأة وترد دين الثقة لها، وهذا ما لا تثق فيه د. اخلاص زكي فرج.
وتقول "لم أجد المرأة التي لها رؤية وتصورات سياسية لكي أنتخبها، وجدت فقط أبواقا تعيد صدى الرجال في مهاترات سياسية".
وتضيف "لذا اضطررت في المرتين السابقتين الى إعطاء صوتي لرجل".
أما عن دور المرأة في سلك الدفاع والداخلية فلفرج رأيها الذي أفصحت عنه بنبرة غاضبة: "هم أدخلوا المرأة في سلك الدفاع والجيش لأنهم بحاجة اليها، لا لمساواتها". وأضافت "لا يثقون بأمكانياتها، والا لماذا لايوكلون اليها لجان الأمن والدفاع أو ادارة الجيش، خاصة أن الأدارة عملية مدنية لا تحتاج الى رجل عسكري؟"
من جانبه، يرى الموظف في مجلس النواب محمد الشيخ، 35 عاما، أن "أي أمرأة تحمل الجنسية العراقية من حقها الترشيح والمشاركة في الانتخابات".  
ويضيف "أنا أعرف معاناة المرأة السياسية جيدا بحكم عملي معهن، وأنا مع المشاركة السياسية للمرأة، لكني لم أنتخب امرأة".
عزوف المرأة أعطى الرجل فرصة كي يتسيد عليها، وبرغم ذلك مازالت تحمل السلاح دفاعاً عن وطنها وامتلكت روحاً شجاعة لتجابه ظلم المجتمع، هي أيضاً دافعت عن مبادئها بقوة وما أشد حاجة المجتمع اليوم لموقف امرأة صادق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram