بادر بعض الظرفاء يوم "طارت" بغداد والبصرة من سلطان العراق، الى تهنئتي بوصفي من "المبالغين" في التشجيع على صناعة التغيير. ومقابل هذا كان غيره يستفهمون ساخرين: وما معنى التغيير هذا، وما فرق زيد عن عمرو؟ جزء من هذا وذاك دفعني الى ان اطلب بإلحاح، مجالسة محافظ البصرة الجديد ماجد النصراوي، ومراقبة نواة "الحوار المفتوح" هناك بينه وبين خبرائها ومثقفيها، حيث ازعم انه يرسم اهم معاني التغيير وممكناته، وهي بعض من المعاني التي نتطلع الى رؤيتها في "دار الإمارة" حين يرحل المالكي الصيف المقبل.
والبصرة التي امضيت فيها بضعة ايام لاتزال حاضنة لتناقض عسير، كما العراق. فإلى جوار البؤس والتلكؤ والفوضى، يلمح المرء حركة دائبة تغير ملامحها ببطء، حتى ان احدهم افتتح سوبرماركت يعمل على مدار الساعة في تقليعة لا تعرفها مدن العراق. كما ان طهاة من اليمن افتتحوا مطعماً لطبق "المندي" الذي يفرض شهرته من مضيق هرمز حتى شواطئ صنعاء. وفي صالات المطار وبهو الفندق تسمع لهجات الأردنيين والمصريين، وتشاهد سحنات الآسيويين والأوربيين بلا فرق، وكلهم يتحاورون بلهجات أهل فارس والترك والانغلوساكسون، حول الموانئ والنفط والبنى التحتية.
لكن لب الحكاية ليس هنا. فالمحافظ يبدو واثقا من نفسه متمسكا بالصلاحيات الواسعة التي وفرها التعديل الاخير لقانون المحافظات، والذي اقر بجهود نواب متحمسين من نينوى والبصرة، بل ان ماجد النصراوي لا يتوانى عن التهديد ب"قطع النفط" اذا تمادى ائتلاف المالكي وطعن في الصلاحيات، وسأعرض تفصيل ذلك في حوار معه ينشر قريبا.
والثمرة الاولى لهذه الصلاحيات تتجسد بخطوة تأخر العراق عنها ١٠ اعوام، ويريد محافظ البصرة استعجالها (والمفرح ان محافظ بغداد يعمل على نموذج مشابه)، وهي التعاقد مع طرف استشاري دولي لوضع خطط البناء. وبالفعل فان فريق المستشارين حول النصراوي اعد متطلبات التعاقد مع هيل انترناشينال، التي تدير مصالح بقيمة ٤٠٠ مليار دولار حول العالم، لتكون الطرف المخطط للمشاريع، وهي اول محاولة تضع البصرة على طريق اقليم كردستان في البناء.
والامر لا يتوقف عند هذا، فمعنى التغيير الذي بدأ ولن يتوقف كما يبدو، يتمثل في حوار واعد انطلقت نواته، بين المحافظ وأهل المدينة. وهو ما يجعل البصرة مختبراً عراقياً كبيراً لما يمكن ان يتغير، لو تغير نهج الحاكم الحالي للبلاد، حيث يتبلور نهج جديد عبر الإنصات للنخبة والأخذ بوجهات نظرها.
ان شباب البصرة يعملون اليوم مع ستة الاف خبير نفطي اجنبي، ومع اطراف دولية اخرى، وتتطور خبراتهم في الادارة وينفتحون على شكل "الحكمة" المعاصر السائد في البلدان المتقدمة، وبدأوا بالفعل بإطلاق حوار مع المحافظ عبر صالون سياسي وضعت نواته الاولى حديثا تحت اسم "البصرة العظمى"، لبحث كيفية نقل هذه الخبرات الى مفاصل الحكومة المحلية. وهذا نموذج نادر يكشف لنا كيف ان التجارب المحلية يمكن ان تسبق فوضى العواصم الغارقة في أعباء من نوع آخر.
مثقفو البصرة يريدون على سبيل المثال، حوارا بين ابن مدينتهم، التشكيلي الشهير فيصل لعيبي، وشركة هيل انترناشينال الاميركية التي بدأت تخطط مشاريع المدينة، ولا يتصورون شكلا للمستقبل لا توضع عليه بصمة مبدعيهم، مهما كان معاصراً وعالمياً.
سألنا المحافظ عن علاقته بثلاث دول تحيط البصرة، فحدثنا كيف اصطحب معه الى الكويت، ممثلين عن مكونات المجتمع المتنوعة، واستذكر الاصدقاء تلك الرحلات "الحزبية الضيقة" التي يقوم بها المالكي واهماً انه يتفرد بصياغة التسويات لوحده، ومتناسياً ما يمكن للشراكة المسؤولة ان تخففه داخل لهيب السياسة العراقية.
ان شكل التعامل مع الأزمات في البصرة، يمثل مختبراً عراقياً لممكنات التغيير ومعانيه، في نهج الحكم وذوق الحاكم. وفي زوايا هذا سيطيب لنا ان نفاضل ونختار ونختبر مغزى الإرادات المتصارعة.
التغيير كما تلمسه في البصرة
[post-views]
نشر في: 16 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 2
بطارسة
لدي سؤال من فضلكم : متى تباشر قناة المدي الفضائية؟
الناصري
فعلا نحن بحاجه الى المدى الفضائيه لان اغلب الشعب العراقي المقهور لا يقرأ لأسباب كثيره اهمها سياسة التجهيل المعتمده من قبل الفاسدين بنظري تأثير المدى كفضائيه على المجتمع اكثر بكثيييرمن تأثيرها ك صحيفه ......