"لو كان الفقر رجلا لقتلته ".. قالها الإمام علي بن أبي طالب (ع) ليرينا مدى فظاعة الفقر لدرجة تشبيهه بالعدو الذي يستحق القتل فهو قادر على إذلال الإنسان والقضاء عليه أحيانا...
في بلدنا الذي تتجاوز ميزانيته المالية السنوية المئة مليار دولار والذي يعتبر ثاني اكبر مصدر للنفط في منظمة اوبك، بلغت نسبة الرازحين تحت خط الفقر ستة ملايين شخص من اصل 33 مليون عراقي –حسب بيان أصدرته بعثة الأمم المتحدة في العراق " يونامي " بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر...وفي هذا البلد نفسه مازال العم جاسم يبيع (بذور عين الشمس) قرب احد مطاعم الأعظمية ولا يعود الى منزله حيث تنتظره بناته الثلاث إلا بعد بيع كل ما لديه في (صينيته) من أكياس صغيرة حتى لو انتصف الليل، وحين يحاول احد الزبائن مساعدته ماديا يرفض المال إلا اذا كان لقاء ما لديه من (بضاعة) رخيصة الثمن ليحلل لقمته..
وفي نفس بلدنا الغني يبكي أطفال الأرملة (أم حسين) من الجوع في منطقة الكسرة مالم يسارع احد من الجيران الى إرسال وجبة طعام اليهم فهي عاجزة عن إعالتهم ولا تعرف سبيلا الى مراجعة الدوائر الرسمية للحصول على راتب الأرامل ولا تملك المال اللازم لذلك ورغم ذلك ترفض المساعدات المالية وتفضل مساعدة نساء المنطقة لقاء مبالغ ضئيلة..
في نفس بلدنا الذي يرزح أبناء له لا يملكون إلا عزة النفس تحت خط الفقر،يوجد أثرياء ينفقون ملايين الدنانيرعلى تكديس (التمن والقيمة واللحم) في الشوارع تظاهرا بحب الحسين (ع) بينما الأجدر بهم ان يكفلوا أراملَ وأيتاماً وفقراء برواتب تجنبهم مواجهة عدو الفقر الذي لا قبل لهم بالانتصار عليه،ويوجد سياسيون يتشدقون بحل مشاكل أبناء الشعب العراقي في خطابات وتصريحات رنانة بينما ينشغلون في الخفاء بزيادة أرصدتهم وعقاراتهم في دول اخرى، وتوجد حكومة همها الوحيد زيادة التصاقها بكرسي الحكم بكل الوسائل حتى لو اقتضى ذلك معاداة الجميع والبطش بهم واستخدام قوات وعصابات تعمل في وضح النهار لخدمة أهدافها بتصفية العناصر غير المرغوب بها وتعبيد الطريق لدكتاتورية اخرى تحكم بقوة السلاح لا بكذبة اسمها (الديمقراطية)..
في مثل هذا البلد النفطي يتجمع البؤس كله في منظر العجوز (أم حميد) التي افترشت الأرض لتقوم بجمع السكر الذي تداخل مع الرمل وهي تذرف دمعا ساخنا فقد كانت تنوي بيعه بعد تسلمه من وكيل الحصة التموينية لتشتري بثمنه العدس الذي لا يوجد بديل له لدى الفقراء، وترفض ام حميد أيضا المساعدة المادية مادامت قادرة على تقديم الخدمات لجاراتها مقابل مبالغ زهيدة..
أحيانا تراودني أفكار مجنونة كأن تحضر الجنية التي ساعدت سندريلا لتفصل العدس عن الرمل بلمح البصر او يحضر المارد الذي خرج من المصباح لعلاء الدين ليحقق للعم جاسم او للأرملة أم حسين أحلامهما..لكن الأفكار الجنونية ليست حلا كما هي الخطابات الرنانة، فمن يريد مساعدة الفقراء حقا لابد ان يمنحهم حياة كريمة لاذل فيها بتوفير ابسط مستلزماتهم من عمل مناسب وسقف يأويهم لأن العراقيين سيظلون ينتظرون ظهور مارد حقيقي يهمه فقط تحقيق أحلامهم..
اعلم ان أفكاري جنونية، ولكن، كيف يمكن لنا ان نساعد إنسانا قليل الحيلة، وعزيز النفس..كالفقير العراقي؟...
في انتظار (المارد)..
[post-views]
نشر في: 16 ديسمبر, 2013: 09:01 م