كنت أقرأ البؤس على وجوههم والألم وهو يعتصر قلوب الخارجين من مكتب "الكي دي" الذي يتسلم عدد من المتقاعدين رواتبهم منه، ألم من نوع خاص أنتجه قرار حكومي قضى باستقطاع مبلغ 100 ألف دينار من رواتبهم التقاعدية –كانت منحة مقطوعة استمرت 6 أشهر- شيوخ وعجائز ومعاقون بفعل الحروب وضغوط الدم والسكري ظلوا حيارى ،مترددين ،سائلين صاحب المكتب عن السبب الذي كان وراء الاستقطاع هذا، لكن الرجل لا يملك الوقت والبال لكي يجيب على أسئلة الحشود المحتشدة على باب مكتبه، الحشود التي تلفعت بالقفاطين الثلجية السميكة هناك، كانت الطريق ممتدة السعة، كثيرة الوحشة بما يؤمّن للجميع سحب خطواتهم نحوها، هكذا فأسلمتهم كل إلى حيرته ودهشته.
لا يبدو مبلغ الـ 100 ألف دينار كبيراً ومهما من وجهة نظر البعض، ممن تزيد رواتبهم على المليون ونصف المليون دينار، لكنه مبلغ بالغ الأهمية وكبير الأثر لمن يتقاضى 400 ألف دينار في الشهر، وفي دولة بموازنة خرافية كالعراق تبدو المقارنة غير معقولة، إذ كيف تتم معيشة أسرة من 6 أشخاص مثلاً براتب كهذا، وهنا سيكون الحديث الذي جرى بشأن رواتب البرلمانيين التقاعدية والرواتب التي يتقاضاها كبار موظفي الدولة في الرئاسات الثلاث والدرجات العليا والإنفاق غير المحسوب تحت ما يسمى بالنثرية أو خطة الطوارئ المالية التي تحت تصرف رئيس الوزراء ومبالغ المنافع التي بحوزتهم حديث لا يتسق مع مبلغ المائة الف دينار المستقطعة من هؤلاء المساكين. وهنا تثير انتباهنا قضية تقول بأن الملايين التي تسير من مدن الوسط والجنوب إلى كربلاء قد يكون الطعام جزءاً من نيّة وقصد المشي والوصول، وقد سمعت ذلك من أكثر من واحد، ممن أعرف أن بيوتهم تخلو من اللحم والسمك ودجاج والفاكهة، وهم من الذين يتذوقونها في مواسم الحج والعاشوراء والأعراس والفواتح وعلى موائد الميسورين حسب.
يقول موظف ميسور في المحافظة بأنه أعطى مجموعة من عمال النظافة مبلغ خمسة وعشرين ألف دينار لكي يطمعوا في رفع النفايات القريبة من منزله يوميا ومثلها فعل مع سائق البوكلاين الذي رفع الأطيان من النهر القريب من بستانه، وحين تأخرت معاملة شقيقه في دائرة النفوس أعلمه بان لا ضير من تقديم مبلغ من المال للموظف هناك، كذلك الحال كان مع مفوض المرور الذي فتح درج منضدته قبل أن يختم على معاملة تبديل الرقم وهناك العشرات مما يتشابه ذكره، ولا تكاد دائرة تسلم منه في المستشفى ومركز الشرطة ودائرة الجمارك حتى ان احدهم قال لي بأن الذي يبيع الخمرة له شرطي في دائرة النزاهة، فيما أعلمني شرطي في دائرة الإصلاح بان أسرة احد النزلاء لديهم تجاهد في إقناع القاضي بقبول مبلغ ثلاثة دفاتر مقابل تخفيف دعاوى أخر ضده، أقلها السطو المسلح.
وبمناسبة تأخر صرف مكافأة المثقفين من أدباء وفنانين وصحفيين حتى هذه الساعة ، مع ضآلة مبلغها (أقل من 90 ألف دينار شهرياً)، نقول لا يتجاوز راتب عامل النظافة في العراق الـ 400 ألف دينار في الشهر، ويتقاضى سائق الرافعة الذي أمضى 7 سنوات في دائرة الموارد المائية 350 الف دينار، وراتب موظف حكومي، درجة 6 لديه شهادة بكالوريوس لا يتجاوز الـ 450 وقد يكون حال غالبية موظفي الدولة العراقية بما فيهم المتقاعدين والمشمولين بقانون الرعاية الاجتماعية أسوأ بكثير، وكنتيجة لهذه فقد كانت معدلات الفقر لدى غالبية الأسر في تدن مريع، القضية التي أنتجت جيشاً من المتسولين واللصوص والمجرمين والعابثين بالأمن ثم يأتي من يتحدث عن فساد كبير في الدولة العراقية. ألم تكن الدولة سبباً في ذلك كله؟
فقراء في دولة فاسدة
[post-views]
نشر في: 17 ديسمبر, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...