موضوعات الافلام الست التي عرضت في إطار برنامج (إرث عراقي) ضمن منهاج مهرجان دبي السينمائي الاخير، كانت عن الطفولة وعالمها، وجل ابطالها من الاطفال ،بل ان بعض الافلام اتخذت من الطفولة عنوانا (اطفال الله)، (اطفال الحرب).. الطفولة المستلبة، التي تحملت وطأة آثام الكبار، النتاج الطبيعي للحالة الكارثية التي يمر بها الوطن، وايضا الشريحة التي تدفع ثمن المأساة.
الامر هنا لا يتعلق بمصادفة ما.. فشباب السينما الذين تصدوا لمهمة بلورة انطلاقة جديدة للسينما العراقية في السنوات العشر الاخيرة.. هم من اكتوى بنار الحروب واثارها المدمرة، فكان من الطبيعي ان يستعيدوا في موضوعات افلامهم طفولتهم غير المكتملة، الطفولة بوصفها ضحية لهمجية الكبار، الطفولة عندما نغادرها مبكرا مرغمين.
المخرجون الشباب هؤلاء استعادوا اذن طفولتهم، باشكال مختلفة يعكس كل منها جانبا من مأساتها –اي الطفولة-.
يحيي العلاق بعد (آني اسمي محمد) و(كولا) يستمر في موضوعته هذه الموضوع نفسه- في فيلمه –خزان الحرب- حيث حلم الطفل في حياة طبيعية.. طفل اصم يجبر على سرقة خزان زيت يدرأ عنه وعائلته طائلة الحاجة والبرد، لكنه في رحلة العودة بالخزان يصادفه ما يجعل هذه السرقة غير ذي جدوى، وكأني به مثل بطل الفيلم السوفيتي (الشجيرات).
لكن نجوى علي وبامكانية لافتة تختار موضوعاً مكتظاً بالدلالات.. طفلة تجبرها والدتها على التخلص من حمامات والدها المتوفي، وخلال صراعها اللامجدي للحفاظ عليها، يفاجئها النضوج الذي يضعها على اعتاب عالم مجهول تتراكم فيه معاناتها واحزانها.
لؤي فاضل وبعد تجربة مميزة في فيلم "قطن" نقف معه في فيلم (احمر شفاه) عند موضوعة الكبت والحرمان ومن خلال سيناريو محبك، عند فتية في مدرسة ثانوية يحلقون بخيالاتهم في درس الثقافة الجنسية، مع نموذج مدرستهم التي تغذي بهم مثل هذه الاحاسيس.. لكن "علي" من بينهم يشغله عن هذا الاحساس، رغبة في امتلاك، حذاء ماركة (نايك)... ولا يجد البديل الا في (احمر الشفاه) الذي يسقط من حقيبة المدرسة متدحرجا عند قدمي علي الذي يستخدمه في رسم العلامة التجارية لـ(نايك) على حذائه.. وهو هنا يتلبسه الاحساس نفسه ولكن بطريقة آخرى يكتمل بها الحرمان، ما يختلف عنه لؤي فاضل به عن ابناء جيله من المخرجين انه يلجأ الى تعقيد فكرته، لكنه في الوقت نفسه يجعلها سلسلة قريبة من المتلقي من خلال معالجة ذكية يتميز بها هذا المخرج الشاب.
الجميل في فيلم مهند حيال هو انه لم يعتمد التقريرية والمباشرة في توثيق حدث كارثي صار يعرف بـ(الاربعاء الدامي)، حيث لجأ الى استعراض اثر هذا الحدث المأساوي بحكاية تلخص هول الحدث، طفل في معية امه لزيارة قبر الوالد الشهيد، وبينما تنشغل الام امام القبر في (التطهير) من الحزن والالم، فان الطفل يجد الألفة في عالم الاموات هذا، متنقلا بين القبور يستقر فوق احدها وهو لطفلة من عمره، ليتشاركا اللعب هي في ابتسامتها الجميلة المؤطرة في صورة مقدمة القبر وهو بلعبته... يطلق صيحات قوية على طريقة "تارزان" وكأنه يفرغ طاقة ربما تلوث براءة عالمه.
حيال في هذا الفلم قارب الموت الذي لخصه مكان الحدث "المقبرة" من تحد الطفولة له باللعب وممارسة الألفة معه بوصفه قدراً.
في فيلم ميدو علي "اطفال الحرب" طفل يتيم يرسم بقلم الرصاص ما تختزن ذاكرته الغضة من احداث، فينقلها لنا خطوطا واصوات متناثرة، تعكس فوضى ما يحدث لتنعكس بدورها على ملامحه وهو منهمك برسم عالم ناله منه الاسى والحزن، والاهم اليتم.
احمد ياسين في فيلم "اطفال الله" يضعنا عند فكرة جميلة عالجتها كامرته بدراية وحرفة.. اطفال الله ويهم يشيخون مبكراً لترسم المأساة على وجوههم واجسادهم اهوالها. توق الطفل المعاق للتعليم والحياة السوية، وايضا لمشاعر انسانية طبيعية، وهو يعتلي جدار مدرسة لمراقبة مباراة للكرة بين طلابها اناثا وذكور.
إرث عراقي.. اطفال يوثقون طفولتهم
[post-views]
نشر في: 18 ديسمبر, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...