TOP

جريدة المدى > سينما > «معايشة الموت» للصحافية لينا شيرمان..مَن يدفن الانتحاريين وكيف التعرّف إلى الجثث؟

«معايشة الموت» للصحافية لينا شيرمان..مَن يدفن الانتحاريين وكيف التعرّف إلى الجثث؟

نشر في: 18 ديسمبر, 2013: 09:01 م

ثمة أناس يتعاملون مع الموت، لا باعتباره حقيقة وجودية فحسب بل كمعادل للحياة نفسها لا يستقيم فهمها من دونه، لهذا تراهم وعلى رغم قسوته يُقبلون، بنفس راضية، على التعايش معه وتتجلى مواقفهم منه بوضوح شديد عند النوائب كالحروب والصراعات المسلحة. كذلك الحال ف

ثمة أناس يتعاملون مع الموت، لا باعتباره حقيقة وجودية فحسب بل كمعادل للحياة نفسها لا يستقيم فهمها من دونه، لهذا تراهم وعلى رغم قسوته يُقبلون، بنفس راضية، على التعايش معه وتتجلى مواقفهم منه بوضوح شديد عند النوائب كالحروب والصراعات المسلحة. كذلك الحال في لحظة وقوع كوارث طبيعية كما حدث مؤخراً في الفيليبين وصادف وجود الصحافية السويدية لينا شيرمان هناك عند حدوث الهزة الأرضية، ورأت بعينيها كيف يتطوع عدد من الناس بنقل الموتى من عند الساحل إلى أمكنة قريبة لدفنهم في مراسيم تليق بكرامة الإنسان مهما كانت بسيطة ومتقشفة.
المشاهد التي عايشتها شيرمان هناك أوحت إليها بفكرة إعداد برنامج عن «معايشة الموت» واقترحت أفكاراً أرادت من بقية زملائها في برنامج «مراسلون» العمل على تنفيذها سوية، من بينها: التقرب من مشاعر أطباء يعملون في مستشفيات تعالج المصابين بمرض الأيدز في بلد يموت فيه الناس، وبسببه، بالمئات كل يوم، ومعرفة مَن الذي يدفن «الانتحاريين» الذين يفجرون أنفسهم في العراق وأفغانستان، والتحري عمّ إذا كان أحد يفكر بالبحث عن بقايا جثث المهاجرين الغرقى في نهر «ايفروس» الفاصل بين اليونان وتركيا؟ الأفكار كثيرة، لكنهم أردوا فقط البحث عن هؤلاء الذين يتعاملون مع الموت احتراماً للحياة نفسها وبصرف النظر عن أسبابه!
 أولى النماذج البشرية التي ما زالت تتعايش مع الموت يومياً الطبيبة الكونغوية ماريا مشاكو، المختصة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الأيدز) وتعمل ضمن مشروع أطباء بلا حدود. مشاهد الموت بالنسبة لها يومية لأن غالبية الذين يصلون إلى مستشفاها يكون المرض قد نهش طويلاً في أجسادهم وقارب على تدميرها، وهذا ما يزيد من إحساسها بالحزن وبخاصة حين يتعلق الأمر بالأطفال. تقول: «إنها تقدّر قيمة كل دقيقة في حياة المريض، وسعادتها تكون لا حدود لها حين ترى طفلاً يتعافى». لقد توصلت وعبر معايشتها للمرضى المقتربة نهايتهم بأن معاشرتهم كبشر تعطيهم دفعة أمل قوية وتخلق جواً مفعماً بالمشاعر الإنسانية على رغم أنها تعرف أن من تتعشى معهم مساء قد لا تلحق مشاركتهم الفطور في اليوم التالي. لا تخاف مشاكو الموت في بلد 6 في المئة من عدد سكانه مصابون بنقص المناعة المكتسبة لكنها لا تحب أن يأتي في غير وقته وبسبب ظروف يمكن التحكم بها لو توافرت الإمكانيات. فموت الناس في الكونغو يمكن أن يتقلص لو تضامن بنو البشر ضده، ولو اهتمت السلطات بمواطنيها بدلاً من رهانها على الحروب، فالناس لا يريدون الذهاب إلى الموت بأنفسهم إلا ما ندر كالحالات التي يُقبل فيها الانتحاريون المتشددون على تفجير أنفسهم ومع هذا ثمة من يحرص على تأمين قبور لهم بغض النظر عن الموقف من فعلتهم كما يقوم الدفان الأفغاني خويا نجيب، الذي ترافقت زيارة البرنامج له مع وصول جثث ضحايا تفجير قام به انتحاري في أحد المناطق من العاصمة كابول. لقد قام بحفر قبور لهم وبجانبهم حفر قبراً للانتحاري، «أنا لا أميز بينهم فكلهم بالنسبة لي موتى وكل ما أقوم به هو دفنهم كواجب يمليه عليّ ضميري وإيماني كمسلم بأن إكرام الميت في دفنه».
وحول سؤال الصحافي عن شعوره وهو يساوي في دفنهم متجاورين وربما في نفس الحفرة بين الفاعل والضحية كان جوابه بسيطاً: «الله وحده من سيحاسبهم ساعة الحساب».
المشهد في المقبرة قاد الصحافي السويدي بينغت نوربورغ إلى طرح سؤال على الملا محمد صابر صديقي حول موقف الإسلام من الانتحار وكان جوابه شافياً: «وفق الشريعة الإسلامية فقتل النفس حرام وحرام أكثر قتل غيرها من أنفس. فالله يخلق البشر ويريد لهم العيش على الأرض حتى تحل ساعة رحليهم لملاقاة وجهه الكريم في السماء».
في اليونان أخذ رجل يتعامل مع الموت كواجب يومي بحكم وظيفته كطبيب شرعي، على نفسه مهمة التعرف إلى هويات ما تبقى من جثث تشوهت لمهاجرين ماتوا غرقاً أثناء محاولة عبورهم نهر «ايفروس» الفاصل بين تركيا واليونان. في مشرحته الحدودية التابعة لمستشفى «الكسندروبولي» جثث غير معروفة الهوية، تتعامل معها السلطات الرسمية كأرقام، أما بالنسبة للطبيب بافلوس بافليدس فالأمر أبعد من هذا ويتعلق بقيمة الإنسان نفسه وحقه في دفن لائق وحق أهله في معرفة مصيره. يكرس الطبيب وقتاً كبيراً لجمع كل ما يوصله إلى هوية الموتى ويأسف لأن «أغلبيتهم وحتى لا ينكشف أمرهم يضطرون إلى ترك كل ما يشي بهويتهم والبلد الذي جاؤوا منه. لهذا لا نعثر على أشياء مهمة تقودنا إلى معرفة الكثير عنهم».
بالنسبة إليه كرجل تأثر بالأساطير اليونانية يمثل النهر الحد الفاصل بين الحياة والموت ولهذا السبب يريد هو أيضاً أن يحدد الخطوط الواضحة بين الحياة والموت بالنسبة للمهاجرين الغرقى. فعودتهم حتى كأموات إلى ديارهم صون لكرامتهم كبشر وحق للمتبقين من أهله على قيد الحياة، ولهذا يرى بافليدس الموت كمعادل موضوعي للحياة نفسها ولا تكتسب الأخيرة معناها إلا باحترامنا للإنسان الميت بغض النظر عن الظروف والطريقة التي يموت بها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وفاة المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل

الداخلية: طرد أكثر من 4 آلاف منتسب وإحالة 15 ألف قضية إلى المحاكم

ائتلاف المالكي يحذر من عودة المفخخات والتهديدات الارهابية الى العراق

طقس صحو والحرارة تنخفض بعموم العراق

الفصائل تهدد "عين الأسد" بسبب احتمالات بقاء الأمريكيين فترة أطول في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram