منذ أمدٍ بعيد يتحدث المؤرخون وكُتّاب السير الشعبية عن حضور فاعل للحزن والمأتمية على حساب الفرح ومتعلقات السعادة في عموم حياة العراقيين، حتى أن الذاكرة دأبت على تلقي فكرة تقول بأن الحزن ضمير عراقي بامتياز، بل ويذهب كثيرون إلى أن المآسي وطقوس الندب انسحبت على عراقيي اليوم من عشتار ومواسم العزاء التموزية وأن واقعة كربلاء والطواعين والموت غرقاً بسبب الفيضانات وجملة المصائب شكلت طقساً عاشورائياً غير منته هنا.
ولا يذكرُ لنا أحد من المؤرخين شيئاً عن حال فريق الأقلية (الفرِح) بالقياس حال فريق الغالبية (الحزين) إذ من غير المعقول أن يتفق الناس أجمعهم على شكل من أشكال التراجيديا تلك-إذا سمح التصور لنا ذلك-، لكنَّ القراءة العميقة وبالاستناد إلى ما تشكّل اليوم تؤسس إلى أن غلبة الحزن واقعة لا محال، لذا علينا ان نتصور الأقلية الفرحة وهي تكتوي بنار الغالبية الحزينة، النادبة، اللاطمة منفوشة الشعر مفلوقة الهام وعلى مدى الدهور العراقية منذ سومر وأكد وآشور إلى ملاحم الحرس القومي وعنابر موت السلطة البعثية حتى القتل بالكواتم وتثقيب الجماجم وقطع الرؤوس وتفجير الأسواق بمن فيها .
وفي ضوء المعادلة الصعبة هذه يقف بيننا من يقول: ما الضير في رؤية شجرة أعياد الميلاد ، ميلاد السيد المسيح أمام واجهات المحال والمولات والبيوت وعند مداخل الأسواق والمدارس والمؤسسات الحكومية مثلما يفعل غالبية أبناء الوسط والجنوب برفعهم البيارق السود والملونة ويافطات الحداد بمناسبة واقعة كربلاء أو مثلما يفعل أهل السُنّة وهم يحتفلون بالمولد النبوي كل عام، ألم يكن السيد المسيح نبياً مرسلاً ومن أولي العزم، ألا يهبط على جناحي ملاك ليصلي خلف الإمام المهدي عندما تحين قيامة الساعة كما يرد في الرواية الشيعية، ثم ألم يكن نبياً محبوباً، معذباً ،مصلوباً، وأضيف وما الضير في إرسال رسالة ود وإحسان وتسامح واعتذار لشركائنا في الحياة والمظالم التاريخية، سكان وادي الرافدين من المسيحيين؟ هل في ذلك ما يقدح في إيمان البعض وهل من مبادر؟
ذات مرة حدثني مسؤول في المدينة عن إمكانية تفعيل الثقافة في الحياة بالبصرة، في مسعى منه لتخفيف التعصب والتشدد الديني- الطائفي ولا أعرف لِمَ بدا لي أنه يريد تلميع صورة حزبه من خلال الثقافة، وهنا، لا أشك في درجة انتمائه للمدينة وحبه وتفانيه في فعل ما بوسعه لها لكنني قلت له: يمكننا ذلك، إذا تبنت الحكومة المحلية قضية من هذا النوع، لأن الرعاية الرسمية لفعل الثقافة، أو أي فعل مدني ، خارج الانتماء الديني المتاح للجميع إنما يحمل بين طياته التسويغ والشرعية، وهي بمثابة الجواز والحلية لدى العامة، داخل حزبكم، اما إذا تبنت ذلك جهة مدنية، منظمة مجتمع مدني، جماعة فنية .. الخ فلا ضمان لسلامة وأمن القائمين على الفعل الثقافي هذا -الذي غالبا ما يكون من أعمال البهجة- من تصدي التيارات والأحزاب والقوى والمليشيات لها، وكنا شهدنا تجاوزات كثيرة في فترة حكم المليشيات، بين عامي 2006-2007 والتي يتبنى البعض منها وحتى اليوم الكثير من الأعمال التي تندرج تحت تعريف (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). المعروف من وجهة نظرهم دائما هو البكاء والندب واللطم فيما المنكر عندهم السعادة والبهجة والفرح.
أسئلة تبدو تقليدية جداً لكننا نستطيع أن نوجز المبتغى بكلمة قصيرة وعلى صيغة سؤال أيضاً: ترى لماذا لا تعمل الجهات السياسية-الدينية على جعل مناسبات الفرح أكثر من مناسبات الحزن، ولماذا تقتصر مناسبات الفرح على الفئة القليلة دائماً، وهل في مبدأ السعادة ما يغضب الرب ويثير حفيظة الأنبياء والرسل والأئمة؟
كثير من الحزن.. قليل من الفرح
[post-views]
نشر في: 28 ديسمبر, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...