TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كثير من الحزن.. قليل من الفرح

كثير من الحزن.. قليل من الفرح

نشر في: 28 ديسمبر, 2013: 09:01 م

منذ أمدٍ بعيد يتحدث المؤرخون وكُتّاب السير الشعبية عن حضور فاعل للحزن والمأتمية على حساب الفرح ومتعلقات السعادة في عموم حياة العراقيين، حتى أن الذاكرة دأبت على تلقي فكرة تقول بأن الحزن ضمير عراقي بامتياز، بل ويذهب كثيرون إلى أن المآسي وطقوس الندب انسحبت على عراقيي اليوم من عشتار ومواسم العزاء التموزية وأن واقعة كربلاء والطواعين والموت غرقاً بسبب الفيضانات وجملة المصائب شكلت طقساً عاشورائياً غير منته هنا.
ولا يذكرُ لنا أحد من المؤرخين شيئاً عن حال فريق الأقلية (الفرِح) بالقياس حال فريق الغالبية (الحزين) إذ من غير المعقول أن يتفق الناس أجمعهم على شكل من أشكال التراجيديا تلك-إذا سمح التصور لنا ذلك-، لكنَّ القراءة العميقة وبالاستناد إلى ما تشكّل اليوم تؤسس إلى أن غلبة الحزن واقعة لا محال، لذا علينا ان نتصور الأقلية الفرحة وهي تكتوي بنار الغالبية الحزينة، النادبة، اللاطمة منفوشة الشعر مفلوقة الهام وعلى مدى الدهور العراقية منذ سومر وأكد وآشور إلى ملاحم الحرس القومي وعنابر موت السلطة البعثية حتى القتل بالكواتم وتثقيب الجماجم وقطع الرؤوس وتفجير الأسواق بمن فيها .
وفي ضوء المعادلة الصعبة هذه يقف بيننا من يقول: ما الضير في رؤية شجرة أعياد الميلاد ، ميلاد السيد المسيح أمام واجهات المحال والمولات والبيوت وعند مداخل الأسواق والمدارس والمؤسسات الحكومية مثلما يفعل غالبية أبناء الوسط والجنوب برفعهم البيارق السود والملونة ويافطات الحداد بمناسبة واقعة كربلاء أو مثلما يفعل أهل السُنّة وهم يحتفلون بالمولد النبوي كل عام، ألم يكن السيد المسيح نبياً مرسلاً ومن أولي العزم، ألا يهبط على جناحي ملاك ليصلي خلف الإمام المهدي عندما تحين قيامة الساعة كما يرد في الرواية الشيعية، ثم ألم يكن نبياً محبوباً، معذباً ،مصلوباً، وأضيف وما الضير في إرسال رسالة ود وإحسان وتسامح واعتذار لشركائنا في الحياة والمظالم التاريخية، سكان وادي الرافدين من المسيحيين؟ هل في ذلك ما يقدح في إيمان البعض  وهل من مبادر؟
  ذات مرة حدثني مسؤول في المدينة عن إمكانية تفعيل الثقافة في الحياة بالبصرة، في مسعى منه لتخفيف التعصب  والتشدد الديني- الطائفي ولا أعرف لِمَ بدا لي أنه يريد تلميع صورة حزبه من خلال الثقافة، وهنا، لا أشك في درجة انتمائه للمدينة وحبه وتفانيه في فعل ما بوسعه لها لكنني قلت له: يمكننا ذلك، إذا تبنت الحكومة المحلية قضية من هذا النوع، لأن الرعاية الرسمية لفعل الثقافة، أو أي فعل مدني ، خارج الانتماء الديني المتاح للجميع إنما يحمل بين طياته التسويغ والشرعية، وهي بمثابة الجواز والحلية لدى العامة، داخل حزبكم، اما إذا تبنت ذلك جهة مدنية، منظمة مجتمع مدني، جماعة فنية .. الخ فلا ضمان لسلامة وأمن القائمين على الفعل الثقافي هذا -الذي غالبا ما يكون من أعمال البهجة- من تصدي التيارات والأحزاب والقوى والمليشيات لها، وكنا شهدنا تجاوزات كثيرة في فترة حكم المليشيات، بين عامي 2006-2007 والتي يتبنى البعض منها وحتى اليوم الكثير من الأعمال التي تندرج تحت تعريف (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). المعروف من وجهة نظرهم دائما هو البكاء والندب واللطم فيما المنكر عندهم السعادة والبهجة والفرح.  
أسئلة تبدو تقليدية جداً لكننا نستطيع أن  نوجز المبتغى بكلمة قصيرة وعلى صيغة سؤال أيضاً: ترى لماذا لا تعمل الجهات السياسية-الدينية على جعل مناسبات الفرح أكثر من مناسبات الحزن، ولماذا تقتصر مناسبات الفرح على الفئة القليلة دائماً، وهل في مبدأ السعادة  ما يغضب الرب ويثير حفيظة الأنبياء والرسل والأئمة؟  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram