حسين عبدالرازق ترددت طويلا في الكتابة عن المستشار (عبدالمجيد محمود)، النائب العام الحالي، والذي لفت أداؤه نظر كل المصريين، خاصة المهتمين بالشأن العام، ولكنني وجدت في النهاية - ومهما كانت المحاذير - أن الواجب يفرض على الإدلاء بشهادتي،
في ظل معرفتي به وتعاملي معه - وهو كمحقق وأنا كمتهم - منذ أكثر من ثلاثين عاما. لقد عرفت المستشار عبدالمجيد محمود - وكيل أول النيابة - عام 1977 أثناء التحقيق في القضيتين 100 و101 حصر أمن الدولة العليا بعد انتفاضة 18 و19 يناير/ كانون الثاني 1977 التي سماها السادات (انتفاضة الحرامية) وأطلقت عليها الصحافة العالمية (انتفاضة الخبز)، لم أمثل أمامه بعد القبض علي فجر 20 يناير 1977 للتحقيق فالمحقق كان المستشار الفاضل يوسف دراز، ولكن اللقاء الاول كان عقب مصادرات (الأهالي) (الأولى) عام 1978 ومرافعته أمام المحكمة في 20 أغسطس/ آب، مطالبا بتعطيل (الأهالي) ثم عقب اقتحام مباحث أمن الدولة بصحبة النيابة في 18 يناير/ كانون الثاني 1979 لمقر حزب التجمع وتفتيشه، بعد إلغاء احتفال الحزب بمرور عامين علي انتفاضة 18 و19 يناير، وإلقاء القبض على من منزلي بعد ذلك، والتحقيق معي في نيابة أمن الدولة، وتوالت الحملات الأمنية وبلاغات مباحث أمن الدولة وإلقاء القبض على، وكان من حظي المثول أمام (عبدالمجيد محمود) للتحقيق معي عام 1979 بتهمة المشاركة في تأسيس وإدارة (الحزب الشيوعي المصري)، ثم في عام 1981 بنفس التهمة، وتقديمي للمحاكمة في القضيتين، وقبل ذلك في قضية التحريض على أحداث 18 و19 يناير 1977، والحكم علي بالبراءة بعد ذلك في القضايا الثلاث. في الثمانينيات حقق معي المستشار عبدالمجيد محمود، كرئيس لنيابة أمن الدولة العليا وكمحام عام لنفس النيابة أكثر من مرة في قضايا صحفية بصفتي رئيسا لتحرير (الأهالي) (1982 - 1988). خلال هذه السنوات العشرين عرفت من أداء (عبدالمجيد محمود) معنى أن النيابة تمثل المجتمع وهي الأمينة على الدعوى والحريصة على مصالح المجتمع، لم يكن في تحقيقاته خصما للمتهم وإنما باحث عن الحقيقة وملتزم بروح القانون ويحرص على تنبيه المتهم إلى حقوقه ولفت نظره لأي قول يصدر عنه قد يسيء إليه، وإضافة إلى معرفته الواسعة بالقانون كان واسع الثقافة في مجالات متنوعة وقارئا نهما ومتابعا للحياة السياسية والصحفية، وكان الجانب الإنساني بارزا في معاملته المتهمين، أذكر أنني وزوجتي فريدة النقاش كنا متهمين في قضية الحزب الشيوعي 1981 ومحبوسين على ذمتها، أنا في سجن ليمان طرة، وفريدة في سجن القناطر الخيرية، وتكرر استدعاؤنا للتحقيق في مواعيد مختلفة، وكنت في شوق للقائها بشدة، وعبرت عن ذلك أمام عبد المجيد محمود، وبعد أيام فوجئت باستدعائي للتحقيق مرة أخرى، لأجد فريدة في الاستراحة تنتظر استدعاءها للتحقيق، وأمضينا معاً ما يقرب من ساعتين قبل استدعائنا الواحد تلو الآخر للتحقيق. وفي يونيو / حزيران 1984 وعقب انتخابات مجلس الشعب نشرت في (الأهالي) تحقيقا حول تزوير الانتخابات، كتبه صلاح عيسى ووجه فيه الاتهام لوزير الداخلية ووزير الحكم المحلي (اللواء محمد سعدالدين مأمون) - أحد أبطال حرب أكتوبر/ تشرين الأول - بالمسؤولية عن هذا التزوير، وتقدم وزير الحكم المحلي ببلاغ لنيابة أمن الدولة العليا يتهمني بالقذف والسب في حقه، وبعد التحقيق معي - وكان عبد المجيد محمود رئيسا لنيابة أمن الدولة - تقرر حفظ الدعوى إدارياً.. وجاء في قرار الحفظ أنه في (ظل تطبيق النظام الديمقراطي والحياة النيابية الحزبية في البلاد – وعلى ضوء المبادئ التي سبق أن أرستها محكمة النقض في مرحلة من مراحل تطور أحاكمها في هذه الصدد - فإن القصد الجنائي لا يتوافر ولا يفترض بمجرد نشر العبارات مع العلم بمعناها، وإنما يجب البحث في جميع ظروف الدعوى لمعرفة ما إذا كان قصد الناشر للمقال منفعة البلاد أو مجرد الإضرار بالأشخاص المطعون عليها، إذ إنه من المتفق عليه في جميع البلاد الدستورية أن الطعن على الخصوم السياسيين يجوز قبوله بشكل أعم وأوسع من الطعن في شخص معين بالذات وأن المناقشات العمومية مهما بلغت من الشدة في نقد أعمال وآراء الأحزاب السياسية يكون في مصلحة الأمة التي يتسنى لها بهذه الطريقة أن تكون رأيا صحيحا في الحزب الذي تثق به، كما جاء في مبادئ أحكام النقض في هذا الصدد أيضا جواز حمل العبارات على معنى النقد - في هذا المجال - ولو استعمل فيها الكثير من الشدة ومن قوارص الكلم، ولو جاءت على سبيل المبالغة). ومنذ تولي المستشار عبد المجيد محمود منصب النائب العام، أصبح النائب العام هو الملجأ لكل الفئات والجماعات والأفراد التي يقع عليها عدوان أو ظلم أو خرق للقانون، سواء كان من جانب السلطات أو من أفراد يملكون القوة والحماية، وتجاوب النائب العام ومعاونوه مع شكاوى الناس ووقفوا إلى جانبهم بفهم صحيح لروح القانون وأهدافه دون خوف من حاكم أو صاحب نفوذ، والقائمة طويلة أكتفى بالإشارة إلى ثلاثة منها.. استئناف الحكم في قضية غرق العبارة السلام، إحالة الصحيفة التي نشرت أخبارا كاذبة ضد الفنان الكبير نور الشريف إلى المحاكمة العاجلة، إلغاء قرار محافظ الغربية بطرد 400
النائب العام
نشر في: 14 نوفمبر, 2009: 04:21 م