حدث ما كان متوقعاً، وانفلتت الفتنة من عباءة من ظل يؤجّج نيرانها، ويحرّض على تكريس نهج مأزومٍ بالضغائن والثأر، يستوي فيه من بيده قرار السلطة وقوة نيرانها، او من يسعى للتصعيد حتى شفا الهاوية وقاع الانحدار والفوضى. وليس الطرف المتشدد بالخطابة والمطالب
وليس الدستور محل محاججة، في ما يجوز وما لا يجوز للحكومة ورئيسها، من اتخاذ قرارات او توجهات. فقد اصبح الدستور في واقع الحال، مقصيّاً عن الحياة السياسية، ميتاً أو في حالة موت سريري غير معلن. ودون الخوض في تفاصيل تشييع الدستور وإقصائه، وتعداد مناسبات خرقه والتجاوز عليه، يكفي القول ان تحريك القطعات العسكرية، وحشرها في الصراع السياسي، محرم بالإطلاق، وحين يتعلق الامر بالأمن الوطني، يتوجب ان يقترن اي قرار بهذا الشأن بمصادقة مجلس النواب. واي قرار اخطر من زجّ القوات المسلحة في فض اعتصامٍ مدني يكفله الدستور، وقد يضع البلاد، لحساسية موقعه والمشاركين فيه، امام خطر انقسام طائفي ومناطقي، تسعى اليه قوى محلية واقليمية تمد يدها طويلاً في طول البلاد وعرضها؟
لقد قدمنا دماً غزيرا، حتى صار ممكناً ان نضع اقدامنا على طريق ما يُشبِهُ رأب الصدع او مصالحة مثلومة ومشوهة، او توافق على الخراب وتقاسم المغانم. وقَبِل العراقيون بذلك، خشية ما هو اقرب الى خسارة كل شيء، بل وتهديم البنى المتهرئة أصلاً للعراق الذي ظل أملاً وحلماً للعراقيين، طوال عهود القهر والاستبداد التي لا يُراد لها أن تنتهي.
ان النجاح الذي تحقق على صعيد كسر شوكة الإرهاب والتكفير وأوكار القاعدة، يعود فضله للترتيبات الأولية السياسية التي توافقت عليها الكتل البرلمانية، بل وبلغة النظام السياسي القائم، التسوية الهشة التي اتفق عليها السنة والشيعة آنذاك. وكان ممكنا أن يتعمق ذاك الاتفاق، ويتخذ له صيغة اكثر ديمومة واستقراراً، لو ان الطرف الماسك بخيوط السلطة تقبل ان يذعن لصوت العقل والحكمة، والمصالح الوطنية العليا.
ولم يداخل عاقل، ان اي ترتيب سياسي او توافق بين الفرقاء في اطار المحاصصة البغيضة، يدرأ عن العراق تداعيات مواجهة طائفية، من شأنه ان يُرضي القاعدة او القوى التكفيرية، ومن يُغذيها ويمدها بأسباب القوة من الخارج، وهو ما كان ولا يزال يستلزم، من السلطة قبل غيرها، تجفيف تلك المصادر، واعاقة خلق بيئة متعاطفة معها، بتجنب السياسات والتوجهات التي تصب الزيت في مواقد التحريض على التنازع الطائفي، والحيلولة دون اتخاذ مواقف وقرارات تُظهرها، كأداة استهداف وقهرٍ للمكون السني ومناطقه التي تعمل اطراف عديدة لإبقائها في حالة توجس وتوتر وشكٍ من الإقرار باستحقاقاتها، والاستجابة لما تراه حقوقاً مشروعة.
كلنا ندرك اليوم، ان الشحن الطائفي على الضفتين، لعب دوراً بالغ الخطورة في تعميق الاحتقان السياسي، والعقلاء من الطرفين اكثر إدراكاً أن السلطة ورأسها المتفرد بكل شيء، دون رادع دستوري، هي التي تتحمل مسؤولية ما آلت اليه البلاد من انحدارٍ وانحطاطٍ سياسي، تدفعها شهوة الحكم، والرغبة في الانفراد بمساراته، وابقائه في حالة شقاقٍ وصراع وتصدعٍ، تمكنها من مواصلة ذر الرماد في عيون اوساط شيعية مغلوبة على أمرها. موحياً لها بانه يفعل ذلك للذود عن "سلطتها" و "حكمها" ضد من يريدون العودة به الى دائرة الإقصاء والتهميش والمظلومية التاريخية!
كان متوقعاً ان يَقْدِم السيد المالكي، على كل اجراء يُمَكِّنه من صرف انظار المواطنين الشيعة قبل السنة، عن جرد حساباتهم مع النواب الذين خذلوهم ودولة القانون التي جردت البلاد من سطوة القانون، وجعلته نهباً لمافيات الفساد، لعلهم يتعرفون على شخصيات وكتلٍ اقل امعاناً في الفساد والتعدي، على الاقل، تمثلهم في الدورة التشريعية الجديدة. ويكفي للاستدلال على هذا المنحى المتدرج الذي قاد الى إشعال الفتنة في الأنبار، انه لم يُقدِم عليها إلا الآن، مع اقتراب العد التنازلي للانتخابات التشريعية.
ويكفي بالاضافة الى ذلك، عدم إقدامه على اتخاذ اي إجراء يكشف فيه المتورطين في الهروبات الجماعية لرؤوس الإرهابيين من القاعدة وداعش، والابقاء على الامور، كما لو ان الداخلية والاجهزة الامنية والمخابراتية في افضل أحوالها!
اذا كانت الفتنة ترمي لتركيع العراقيين وجعلهم أسرى قلقٍ دائمٍ، والاستسلام لما تريد السلطة المتجبرة فرضه عليهم، فان اهل الانبار والغربية كلها، وبلغة النظام السياسي المهيمن والمهين، اهل السنة في العراق، هم الاقدر على وأد الفتنة، وتجنب اعطاء السيد المالكي، ما يبرر له فعلته امام العراقيين. وفي هذا الاطار عليهم النأي عن تحويل هذا الصراع السياسي الذي تخوضه دولة القانون وحزب الدعوة "حتى تعلن خلاف ذلك" الى صراعٍ بين السنة والشيعة. عليهم اعلان موقف مبدأي وطني يدين القاعدة ومن يلتف حولها، وان يقوموا قدر المستطاع، بتفكيك ملاذاتها الآمنة، ومطاردتها، وان يرفضوا ويدينوا اي تصريح او تلميح او اهواء، توحي بان مواجهة الحكومة تمر عبر بوابات الارهابيين والتكفيريين ومنظماتهم.
هل يمكن لاهل الغربية، ولابناء الطائفة السنية، ابناء العراق، احفاد ثوار العشرين، ان يقبلوا باقل من هوية عراق وطني مزدهر معافى؟ أيمكن ان يقبلوا بما يريده لهم اساطين الفتنة الطائفية، من معزل طائفي، تحده الشبهات والانغلاق على هوية فرعية، لا تصمد امام عواصف الصراعات التي تجتاح المنطقة والعالم؟!
تخاصمت امرأتان امام الامام علي، على وليد ادعت كل منهما امومته.
وحين رأى اصرار كل منهما على انها الام، امر الامام بقطع الوليد الى قسمين، فتأخذ كل واحدة منهما قسماً منه ..!
هنا صاحت الام الحقيقية:
لا ايها الامام، انا اتنازل عن حقي، فامنحها الوليد!
لا تتنازلوا عن حقوقكم، ولا عن هويتكم العراقية، ولكن احذروا الفتنة، واجهضوا ما يسعى اليه مغتصب، يستهدف اهل العراق جميعاً..!
جميع التعليقات 5
ابو سجاد
لانعرف بالضبط ماهو دور البرلمان وهو السلطة التشريعية وما دور وزارة الداخلية ولانعرف بيد من فض الاعتصامات التي كفلها الدستور وما هو دور الجيش هل دوره يقتصر على قتل المتضاهرين والمعتصمين ام مقرعةالقوات الغازية للبلاد لقد التبس علينا الامر واصبح المالكي الرج
طارق الجبوري
ما حدث في الانبار دليل مضاف على خطورة التوجه لترسيخ ثقافة الاستبداد وخلط الاوراق وتصوير كل صوت معارض لمعالجة الاعتصامات بهذه الطريقة وكأنه ضد الجيش وما يؤسف اكثر ان ( فضائية العراقية )كرست هذا الوهم بل اكثر عندما اخذت تبث انشودة ابو الغيرة وتظهر فيها الما
نبيل
اول المعتقلين يجب ان يكون نور المالكي لانه حاميها حراميها هو العنصر الاساسي في اشعال الفتنه الطائفية
fras
حقيقة الاعتصامات في الرمادي هي اعتصامات قاعدية وقد استفادت القاعدة منها في التدريب وتحشيد اكبر عددممكن من الاتباع وقد نجحت بذلك وهذا ناتج من غباء ساسة العراقية او عمالتهم للقاعدة والا فما تفسير سيطرة القاعدة على الرمادي بعد انسحاب الجيش وباسحة متوسطة اين
ابو زينب الجعفري
غاب صوت العقل وعلا مكانة أصوات مطبلين ينفخون أبواق الحرب الطائفية لا الشي سوى الإفلاس السياسي والأخلاقي والغريب في ذلك كلة ناي أصحاب الحل والعقد الحقيقين عن العراق وكأنهم في حل من كل هذه الدماء التي سالت ولا زالت تسيل اتقو الله في دماء أهل العراق ،،،،،