TOP

جريدة المدى > سينما > بلاغة السخرية السوداء في فيلم "111 فتاة" لناهد قبادي وبيجان زمانبيرا

بلاغة السخرية السوداء في فيلم "111 فتاة" لناهد قبادي وبيجان زمانبيرا

نشر في: 1 يناير, 2014: 09:01 م

تنوعت موضوعات الأفلام الروائية الطويلة المُشارِكة في مهرجان لندن للفيلم الكردي هذا العام بشكل لافت للنظر، ومردّ هذا التنوع أن الأفلام المشاركة في مختلف محاور المهرجان قد قدِمت من أقاليم كردستان الأربعة الموزعة بين العراق وإيران وتركيا وسوريا، وكان من

تنوعت موضوعات الأفلام الروائية الطويلة المُشارِكة في مهرجان لندن للفيلم الكردي هذا العام بشكل لافت للنظر، ومردّ هذا التنوع أن الأفلام المشاركة في مختلف محاور المهرجان قد قدِمت من أقاليم كردستان الأربعة الموزعة بين العراق وإيران وتركيا وسوريا، وكان من بينها فيلما الأخوين قبادي وهما "فصل الكركدن" لبهمن قبادي و "111 فتاة" لشقيقته ناهد قبادي التي أخرجت هذا الفيلم بالاشتراك مع بيجان زمانبيرا، وهو فيلم يرتقي إلى مصاف الأفلام الإيرانية الناجحة فنياً والتي لا تغادر ذاكرة المتلقي بسهولة. ويبدو أن ناهداً تتتبع آثار أخيها بهمن في انتقائها للموضوعات الانتقادية المثيرة للجدل. فمثلما اختار بهمن في فيلمه الأخير "فصل الكركدن" موضوع السجن وقمع الحريات الشخصية والعامة من قبل النظام الثيوقراطي الإيراني فقد وقع اختيار ناهد على تداعيات الحرب الإيرانية من جهة، وقلة الاستثمارات الاقتصادية في كردستان إيران من جهة أخرى مع اعتمادها على نَفَس كوميدي لاذع ينتمي إلى السخرية المُرة أكثر من انتمائه إلى السخرية العابرة التي تُضحك المتلقي لمدة وجيزة من الزمن.
أوديسة معاصرة
لا تحتمل القصة السينمائية لهذا الفيلم أكثر من الإشارة إلى أن "111" فتيات من إقليم كردستان الإيراني قد كتبن رسالة إلى رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران يخبرنه فيها بأنهن سيقْدمن على الانتحار الجماعي خلال مدة أقصاها أربعة أيام إذا لم يجد حلاً لمشكلتهن الجماعية في انعدام الأزواج بسبب الحرب وقلة الاستثمارات ،الأمر الذي دفع الرجال لترك هذا الإقليم بحثاً عن العمل في أماكن أخرى بغية تأمين الرزق الحلال.
ينتمي هذا الفيلم في تقنيته إلى "أفلام الطريق"، ذلك لأن البطل نظام دونيادده "جسّد الدور ببراعة رضا بهبودي" سيقطع مسافات شاسعة داخل إقليم كردستان الإيراني بصحبة سائقه "صادقي" ومترجمه الصبي الكردي الذي سيذلل لممثل رئيس الجمهورية العديد من المصاعب اللغوية التي ستعترضه. ثمة فتاة تحتل مساحة كبيرة في ذهن "صادقي" الذي نزل إلى بئر ماء عميقة واضطجعت إلى جواره في حلم يقظة عابر سنكتشف لاحقاً أنها قد تكون واحدة من الفتيات اللواتي سيقدِمن على الانتحار الجماعي، لكن هذه القصة العاطفية أو الحلمية لم تتضح أبعادها بدقة وظلت غامضة بعض الشيء. وهي قصة جانبية على أية حال وتكاد تشبه تماماً قصة الرجل المتهم بقضية أخلاقية محرمة ،وكان الأهالي على وشك رجمه بالحجارة، إذ رأيناه غير مرة وهو في حراسة الشرطة، أو وهو يغذ الخطى هارباً من الجموع البشرية التي تريد أن تنقضّ عليه، وتقتصّ منه.
هذا الغموض يمتد إلى بعض المقاهي التي كانت تضم بعض الشخصيات المحلية التي تسرد حكاياتها لدونيادده الذي لم يدخر وسعاً من أجل وضع حل لهذه الجريمة الإنسانية الكبرى خصوصاً وأن قناة "السي أن أن" قد بدأت تعرض هذا الخبر بين أوانٍ وآخر.
تتدخل الحكومة التركية من جهتها فترسل عدداً كبيراً من العرسان في محاولة لتلافي هذه الكارثة وسنكتشف أن بعض الأحزاب المحلية تتاجر بهذه القضية الإنسانية طالما أن الانتخابات على الأبواب، إذ نكتشف أن حفل الزواج الذي أقيم في تلك المضارب هو حفل مزيّف وأن العرائس هن رجال في حقيقة الأمر وقد اكتشف دونيادده هذا الأمر بنفسه.
يمرّ ممثل رئيس الجمهورية دونيادده بعدد المواقف المربكة بالنسبة إليه كمسؤول حكومي إذ يُقيَّد، ويُحجَز لمدة من الزمن، وحينما يمْثل أمام بعض المسؤولين الأمنيين يتصل بأحد أعضاء الحلقة المقربة من الرئيس فيطلب منه العودة لأن القضية قد تمّت تسويتها من قِبل الجهات المعنية، لكن دونيادده يرفض ويصر على مواصلة مشواره وحينما يصل إلى الموقع المطلوب الذي ستنتحر منه الفتيات يصل الفيلم إلى نهايته الجميلة من الناحية الفنية حيث يتسلق الجبل الوعر راكضاً بطريقة الحركة البطيئة التي تمنح الفيلم لمسة فنية نادرة.
حكاية واقعية
ربما يتساءل البعض عن صدقية هذه الحكاية وهل يمكن لها أن تحدث في المجتمع الكردي في إيران آخذين بنظر الاعتبار أن السينما هي فن الواقع بامتياز؟ لا شك في أن الجواب يصطف إلى جانب هذه القضية الملحّة ويؤازرها بالمعنى الإيجابي. فالحرب هي كارثة بشكل من الأشكال، وهي التي تنفي غالبية معطيات الحياة ومن بينها هروب رؤوس الأموال، وغياب الاستثمارات، وتفشي الفساد الإداري والمالي وما إلى ذلك من قضايا لمسناها عبر هذه الرحلة الأوديسية التي كشفت لنا العديد من الأشياء المحجوبة التي تُقْصيها السلطة عند قصد.
تتمتع المخرجة ناهد قبادي بخبرة بصرية جيدة و "111 فتاة" هو فيلما الروائي الطويل الأول. وقد سبق لها أن أنجزت تسعة أفلام وثائقية وقصيرة نذكر منها "الدائرة المغلقة"، "الرحلة الأولى" ""نهاية حمّى"، "لنبني وطننا"، و "الجندي والطريق". وجدير ذكره أن ناهد قبادي هي من مواليد مدينة "بانة" الإيرانية عام 1964. درست علم المكتبات في جامعة طهران، والسينما في أميركا، كما تكتب الشعر أيضاً. وقد عملت لمدة طويلة مع أخيها بهمن قبادي ككاتبة ومساعدة مخرج فلا غرابة أن تمتلك ناصية السينما وتقدم لجمهورها فيلماً روائياً ينضاف إلى قائمة الأفلام الكردية المتفردة التي لا تقل مستوى عن الأفلام الإيرانية التي أنجزها رموز السينما الإيرانية المعاصرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وفاة المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل

الداخلية: طرد أكثر من 4 آلاف منتسب وإحالة 15 ألف قضية إلى المحاكم

ائتلاف المالكي يحذر من عودة المفخخات والتهديدات الارهابية الى العراق

طقس صحو والحرارة تنخفض بعموم العراق

الفصائل تهدد "عين الأسد" بسبب احتمالات بقاء الأمريكيين فترة أطول في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram