التسونامي أو ما اصطلح عليه (الربيع العربي) الذي اجتاح أمة العرب في السنوات الثلاث الأخيرة وزلزل الأرض تحت أقدام دكتاتوريات، والتي ما كان لأحد أن يتخيل أن غضبا بهذا الحجم سيتفجر دفعة واحدة في أكثر من بلد عربي وتتهاوى من شدته أصنام ورموز ، وأيضا منظومة سياسية واجتماعية وثقافية كانت قد نمطت صورة الحياة في هذه البلدان. هذا الحدث الذي شكل انعطافة مهمة في تاريخ المنطقة والعالم ،بل إنه أرّخ لمرحلة جديدة في التاريخ العربي وإن لم تتحدد ملامحها بعد.
وبصرف النظر عن النظرة الأحادية لهذا الحدث التاريخي الذي نرى فيه حدثا مدبرا في ليل المؤسسات العالمية الكبرى بغية تغيير الخريطة السياسية للمنطقة بما يتماشى ومنطق إنشاء شرق أوسط جديد ، فإن حركة شعوب هذه البلدان نحو الانعتاق من نير أنظمة خيمت على مصائرها عقوداً طويلة، لا يمكن لها أن تزيّف أو أن تحتمل التشكيك بنوايا الشعوب في فتح أفق من الحرية يتحسسون به آدميتهم ويحققوا به أحلامهم .
وكان من الطبيعي أن يتضوع الإبداع بعطر هذه التوق للحرية والانعتاق ، وإن كان من المبكر الحديث عن ملامح إبداع نابع من هذه الثورات الربيعية بكل تداعياتها وما نتج عنها من واقع لم يكن بأية حال مجسداً لأحلام من ثاروا.
السينما خلاف الأدب برغم حجم الناتج السينمائي المتأثر بهذا الحدث إلا أنها ليست في وارد التمثل الكامل له إبداعا سينمائيا . ففي مجال الأدب تصدى روائيون وشعراء وكتّاب إلى تقديم نماذج لأدب لم يقف عند حدود التعبير عن حجم الحدث وبطولة صانعيه، وأيضا مقدار التضحية التي قدمتها هذه الشعوب والشباب بوصفهم الملمح الأبرز في هذا العنفوان الثوري .. بل تعدى ذلك بفعل ما تراكم من نصوص وأعمال أدبية مختلفة إلى ترسيخ أدب بدا يكتسب ملامحه الخاصة ، انطلاقا من أن الحرية صارت فعلا حقيقيا يمارس أثره الواضح على النتاج الإبداعي للكثير من الكتّاب والأدباء الذين اكتووا بلهيب القمع الدكتاتوري والمصادرة المنظمة لأحلامهم وحقهم في الاحتجاج والاختلاف ، وسيف ديمقلس المسلّط على نتاجهم الإبداعي .
النتاج الأدبي ذهب أبعد مما ذهب إليه أي جنس إبداعي ، فراح يوغل في تعرية مرحلة سوداء من تاريخ هذه الشعوب من خلال شهادات اتخذت أشكالا مختلفة للتعبير تعكس حجم القمع وأهواله ، بل اتّجه البعض منها إلى مهمة توثيق تاريخ الدكتاتوريات المنهارة وكشف جوانب كانت مخفية عنها ، كما تسليط الضوء على بشاعات ارتكبت بحق الوطن ، من خلال استعادة تجارب شخصية في البعض منها ، وأيضا في توثيق ممارسات وسلوك وسمت مرحلة كانت الأشد وقعاً على حرية المبدع.
أما وجه الاختلاف مع السينما على الرغم من النتاج السينمائي الهائل الذي أرّخ لهذه الثورات واستلهم موضوعاته من ميادينها وأحوال أبطالها، درجة خصصت الكثير من المهرجانات السينمائية برامج عن هذا النوع من الأفلام التي اعتلى البعض منها منصات الجوائز، فإن طبيعة الاختلاف يتمثل في أن السينما على الرغم من قدرتها المعروفة في تمثل الحدث وإعادة إنتاجه، فإنها تعاطت مع الموضوع انطلاقا من أنّ الأمر لم يكن بحاجة إلى تأمّل طويل ، بل إلى انفعال يحاول أن يلمّ بالحدث وربما لهذا السبب تجلى استلهام الحدث عبر الوثائقيات أو الأفلام القصيرة، التي لا شك ستكون خلفية مناسبة لرؤى صنّاع الأفلام في المستقبل.
السينما هنا انشغلت من خلال متابعة كم لابأس به منها ، بما هو ألا يتعدى ملاحقة الحدث المتفجر واستلهام أفكار منه، وربما تفرض الحاجة إلى أن يكون الروائي الطويل الإطار المناسب لسيرة الحدث، ذلك أنه بما يتوفر له من عناصر الصنعة قادر على التوثيق والنبش في المسكوت عنه من أحداث جرت خلال حقبة الدكتاتورية.
ربيع الأدب.. ربيع السينما
[post-views]
نشر في: 1 يناير, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...