بعد أحداث العام 1991 وخلال ثورة ابناء الجنوب والوسط التي لم تدم أكثر من اسبوعين او ثلاثة كان الجيش العراقي ومع الاسف العصا التي لقّن بها النظام معارضيه من الجنود الفارين والملايين الجائعة التي خرجت تسلب وتنهب لتسد حاجاتها من المال والطعام والماء والوقود، أستعيد الصورة تلك لأتذكر لحظة صادمة لا نريد لها ان تتكرر لحظة اعتلاء أحد البعثيين العاملين في الاجهزة الأمنية من أبناء طائفة ما ظهر الدبابة مع ما ظل من الجنود الذين آمنوا بصدام حسين ، وبحماس غير منضبط راح يطوف سكك وطرقات القرية بحثاً عن الذين خرجوا ضد النظام فجمع الضباط والجنود الكثير من الرجال والصبيان، حيث أعدم البعض منهم وسُجن آخرون.
هناك من يستعيد الصورة المشوهة تلك التي رسمها الجندي العراقي في الوسط والجنوب قبل أكثر من ربع قرن ليلصقها الآن على شوارع وسكك مدينة أخرى من العراق، ترى هل من مصور جديد يعيد تنظيم الكاميرا الكبيرة لأشرف مؤسسة عراقية ويعيد لنا ما ضاع من تاريخنا ؟ ذلك لأن الصور الحالية تنقلنا إلى العقود الأخيرة من حياة الجيش العراقي الذي فقد الكثير من بريق وطنيته واستقلاليته التي عرف بها على مدار سنوات من تأسيسه، وما فعله به صدام حسين لا يقل ضررا عن ما فعلته حكومات ما بعد 2003 من سلب وتحقير لمعاني الوطنية والسيادة تلك.
ولعل الصور الصادمة والمؤسفة التي كنا نشاهدها عبر اليوتيوب قبل احداث داعش والقاعدة الأخيرة من رقص ولطم وشعارات وانحياز لصالح طائفة حاكمة معروفة ما يحيلنا إلى صورته قبل ربع قرن من الزمان حيث تحول من مؤسسة عسكرية صارمة، خالصة الوطنية إلى قطعات شبه نظامية، مرتبطة بشكل مباشر بشخصية الحاكم القائد العام الذي سلّط وأمّرَ المقربين والموالين إليه على كبار قادة الفيالق والفرق والألوية مشوّها بذلك صورة الجندي العراقي والضابط بخاصة. الصورة التي كانت لا تماثلها أية صورة أخرى في النبل والكرامة وعزة النفس والإخلاص للوطن والولاء للشعب في الدفاع والتضحية من أجله.
ولقد أحسن التعبير الشيخ أبو ريشه بقوله الذي برر فيه انسحاب الجيش خارج مدينة الرمادي مؤخرا والاكتفاء به رافداً بالأسلحة والاعتدة، بأننا: (لا نريد أن يفقد الجيش هيبته) وهو تعبير بليغ يشترك به غالبية العراقيين الذين يفكرون بجعل الجيش مؤسسه مهنية وطنية خالصة، لا تأتمر بإمرة حزب أو طائفة، الأمر الذي لم تعمل عليه السياسة العراقية منذ أكثر من ربع قرن. وتأتي جملة الشيخ هذه في ظرف استثنائي هناك، حيث تغلغل محاربو داعش والقاعدة وبقايا البعثيين ربما في المدينة، ولعل المعركة ستكون اسهل بوجود الجيش معهم، لكن ذلك لم يحصل فقد تمكن رجال القبائل وأبناؤهم الذين خبروا التصدي لهؤلاء من استعادة غالبية المواقع التي فقدت، وبحرب لا أقدس منها قلبوا ظهر مجن ساحة الاعتصام التي ظلت تنقل الينا صورة مشوهة عن الناس هناك، حيث اتسعت قاعدة الاعتقاد بان الذين يقفون هناك إنما هم جميعهم من الطائفيين. لكن الوقوف المسلح والتصدي الحازم لرجال الرمادي اليوم انتج صورة عراقية جديدة، نتطلع لتكون الأخيرة إن احسنت الحكومة التعامل معها.
وفي فهم مرتجل سريع لجوهر ما يجري هناك، جاءت ردة فعل الحكومة العراقية مضحكة وساذجة جداً في محاولة لاستعادة توازنها مع حجم الحدث النبيل من خلال ما أعلن عنه الناطق بلسان الجيش بإلقاء القبض على زعيم جيش المختار واثق البطاط وإحالة تاجر أجهزة فحص المتفجرات(السونار) إلى المحاكم. لا سيادة الحكومة ما بهذه تستقيم الصورة وتتوازن الأفعال وتستعاد الهيبات.
صورة الجندي في الضمير العراقي
[post-views]
نشر في: 4 يناير, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...