وارد بدر السالمكل الشعوب المتحضرة التي خطت الى المستقبل بانفتاحاته الكبيرة تقف وراءها ديموقراطيات جوهرية وصحافة حرة وإعلام حيوي. وهذا الإرث العملاق هو الذي أوصل شعوب أوربا وغيرها الى ما وصلت إليه من ثقافات وعلوم ومعارف وسياسات حرة،
فالفرد فيها مكفول دستورياً وقانونياً والصحافة فيها مكفولة بقوانين هي الأخرى تسيّر أعمالها ونشاطاتها، لذلك فالديموقراطية التي نسمع بها ولا نراها هي الحاضنة السياسية الكبيرة للمجتمع بمختلف دياناته وأعراقه وطوائفه وألوانه، وهي التي ترفد الحياة اليومية بمستجداتها المختلفة. ولم نسمع أن دولة ديموقراطية في العالم ناصبت العداء للصحافة والصحفيين والإعلام الحر. بل ان هذه السلطة الرابعة هي العين الواسعة لاحتواء المشهد السياسي والإجتماعي برمته.كما يحصل في دول شتى اتخذت الديموقراطية نمطاً حقيقياً لحياتها. عندنا يبدو الأمر مختلفاً الى حد كبير. ولا ضير في ذلك حتى الآن، حينما نكون على صلة مع الواقع السياسي ونفهم ظروفه الخانقة؛ فالأمية السياسية المستشرية بسبب المحاصصة سيئة الصيت بلورت نمطاً من التعامل مع الصحافة والإعلام نعرف دوافعه وإرهاصاته، لأن التجربة لما تزل في طور النقاهة والنمو والمخاض العسير. ومن هنا كنا، كمواطنين أولاً، نراقب الأداء السياسي من زواياه المختلفة، وكصحفيين نكتب عن الكثير من المداخلات التي نراها تضر بالعملية السياسية وبالتالي تنعكس على مفاصل المجتمع، فنميل الى النقد الحر ولا نوارب أحداً، منطلقين من الحرية السياسية التي نتصورها حقيقية وليست وهماً. ومهما حاول البعض من السياسيين أن يشير الى عكس ذلك أو يلوّح به بعصا معينة، فلا ننطلق إلا من معطيات ما بعد 2003 بسقوط النظام السابق وتحول البلاد من حقبة رمادية الى حقبة بيضاء، مفترضين أن العراق الكبير للعراقيين كلهم بشتى مسمياتهم الدينية والإثنية والعرقية. ولا نفترض غير ذلك بطبيعة الحال حينما نتفاعل مع الحياة السياسية الجديدة بكل قوة وننتمي الى كل مفرداتها. النقد الحر هو أحد أسس الحياة السياسية الجديدة. والصحافة في مقدمة النوافذ التي تتعامل مع هذه المتغيرات من باب الحرص والتقويم والتوجيه، لكن من يريد أن يعيدنا الى المربع الأول الذي غادرناه منذ ست سنوات فهو يرتكب أكثر من إثم، متناسياً أن الزمن لا يُعاد الى الوراء وأن عقارب الساعة تمشي الى المستقبل دائماً. النقد الحر وسيلة تقويمية ورأي مستخلص من مراقبة وتمحيص وتدقيق في هذه المسألة أو تلك؛ ينبغي أن لا يقابلها رد فعل غير محسوب النتائج، وخطوات مرتبكة لتثوير مشاعر الآخرين بطريقة فيها من الإرهاب الشيء الكثير. إرهاب الصحافة والصحفيين لا يشفُّ عن قبول النقد الحر، وهو طريقة لا توصل الى حياة ديموقراطية سليمة معافاة، تنطلق من قبول الرأي الآخر وتتعامل معه باحترام... waridbader@gmail.com
توقيع: النقد الحر
نشر في: 14 نوفمبر, 2009: 05:53 م