TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "مسودن "زمانه

"مسودن "زمانه

نشر في: 6 يناير, 2014: 09:01 م

جابر شنيار  كان يعمل موظفا في  وزارة التصنيع العسكري المنحلة ، عرف عنه بانه صاحب أفكار غريبة وعجيبة ، تثير التساؤلات  فهو يدعي ابتكاره نظرية في التعاطي مع الظواهر السياسية والاجتماعية والدينية ، ولطالما وصفه معارفه بانه "مسودن "   وليس على كلامه  حرج ، وهو بدوره  تعامل مع الوصف بروح رياضية ، ولاسيما ان المعارف كانوا يرغبون في إنقاذه من المساءلة والاستجواب ، عندما ينزل  شنيار على" الشارع الترابي " ويثير سخط رجال الأمن  أثناء الحديث والإدلاء بآرائه و أفكاره  لبيان نظريته.
سوادين ابن شنيار أبعدته من الانتماء الى التنظيمات السياسية في زمنه ، فعد نفسه قائدا مؤسسا لحزب ، هو زعيمه وقاعدته الجماهيرية ، ولم ينضم اليه حتى أفراد أسرته ، لانهم يرفضون مشاركة الرجل في سوادينه ، وخاصة عندما تكون ذات بعد سياسي ،  تحمل في كثير من الأحيان أسباباً مباشرة "لهجمان  البيوت" والتعرض للملاحقة بذريعة تهديد امن السلطة ، بنظرية ابن شنيار الفريدة  من نوعها في العالم .
اعتمد الرجل على طرح الأسئلة منهجا لإثبات صحة نظريته ،  ويروى عنه انه أثناء وجوده في مجلس عزاء سأل عن سبب موت المرحوم ، وعندما علم بان سبب الوفاة صعقة كهربائية ، القى على الحاضرين محاضرة طويلة ،  تناول فيها مخاطر الكهرباء وسوء استخدامها ، وانها  لعنة أفرزتها الحضارة ،  فقبل استخدام  الكهرباء لم يمت احد بصعقة كهربائية في زمن  الفوانيس ، وإنارة  أزقة بغداد بجهود "اللمبجية"  ليقوم "الجرخجية"  بأداء واجباتهم على اكمل وجه في ملاحقة اللصوص  وفرض سلطة القانون ، في زمن الاحتلال العثماني .
وفي مجلس عزاء اخر طالب شنيار بالتخلي عن السيارات ووسائل النقل الحديثة،  لأنها أصبحت سببا لخطف أرواح المئات من الابرياء ، ودعا  الى التمسك بعادات السلف الصالح  باعتماد الخيل والبعران والحمير في التنقل ، وترك المركبات الحديثة بدءا من الدوج ابو عليوي وانتهاء بمونيكا ذات الدفع الرباعي ، لأنها  أصبحت أدوات للموت في الشوارع العامة .
نظرية ابن شنيار تشبه  أغاني الفديو كليب لا احد يتذكر تفاصيلها ، فظلت محدودة التداول، في اطار ضيق لا يتعدى الحاضرين في مجالس العزاء ، لكنه في احد الأيام  طرح  آراء أثارت غضب من سمعها ،وكادت تكلفه  ثمنا باهظا ، فهو عندما سأل عن سبب وفاة المرحوم  وجاء الجواب بان الراحل فارق الحياة بموت الله ،  استعرض قدراته التنظيرية  وقال ان الموت في زمن الأصنام لم يكن معروفا، وتساءل هل سمعتم بأحد فارق حياته على يد هبل ؟  السؤال أثار الحاضرين  ومنهم أصحاب العزاء فطلبوا منه مغادرة المكان على الفور ، والا سيتلقى اللكمات والجلاليق من الكبار والزعاطيط ، فخرج ابن شنيار تلاحقه اللعنات  لدفاعه عن هبل ،لإثبات  صحة نظرية واحد مسودن لا يعرف دينه من دنياه ، وهذه العبارة سمعها قبل ان يخطو الخطوة  الاولى متوجها الى منزله .
ابن شنيار لم يتراجع عن نظريته وظل متمسكا ومدافعا عنها وفي زمن اضطراب وتدهور الأوضاع الأمنية وصل الى قناعة  بان أفكاره صحيحة  وأثبتتها الوقائع على الارض ، لكن المشكلة في سوء الفهم ، وإشكالية التعاطي مع أفكار الآخر،  وخصوصا عندما يكون "مسودن زمانه" .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. الناصري

    وين تريد بينا يا حادينا سؤال يطرح عندما يشعر المسافرون بقوافل الجمال انهم في الطريق الخطأ فيسألون الحادي وهو من يقوم بقيادة القافله وسؤال العراقيين اليوم وين تريد بينا يا حادينا بس المشكله اذا كان حادينا امسودن زمانه(مختار عصره) فلا يوجد.جواب سوى انني سار

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram