بغداد مدينة تلوح في المخيلة الأمريكية، على نطاق واسع، ففي عام 2003، وبعد انتهاء الحرب، احتلت القوات الأمريكية العراق، وفي الأعوام التي تلت، سافر إلى بغداد عدة ألوف من الأمريكيين إلى بغداد (جنود ومقاولون، مسؤولون وصحفيون). ومن الذكريات التي تبقى في ا
بغداد مدينة تلوح في المخيلة الأمريكية، على نطاق واسع، ففي عام 2003، وبعد انتهاء الحرب، احتلت القوات الأمريكية العراق، وفي الأعوام التي تلت، سافر إلى بغداد عدة ألوف من الأمريكيين إلى بغداد (جنود ومقاولون، مسؤولون وصحفيون).
ومن الذكريات التي تبقى في البال عن بغداد حرارة الجو، وإشراقتها، وأيضاً تهدم مبانيها، ورقّة أهلها، وقد عشت هناك في عام 2003، كمراسل صحفي، ومع استمرار الحرب والخوف المتواصل من انجرافنا في الصراع الذي كان يدمّر المدينة، لم نقدر على استكشاف المدينة والتجوال فيها، إن بغداد الأسطورية ومركز ثقافة ميسوبوتاميا والمعبر إليها، وهي أيضاً مدينة "ألف ليلة وليلة" بقيت مجهولة بالنسبة إلينا.
إن القصائد التي يضمها كتاب "بغداد: مدينة في الشعر" هي مقتطفات من الشعر كتبت في بغداد وعنها، وتعود إلى القرن الثامن، مع تأسيسها، وحتى الحرب بعد سقوط نظام صدام حسين، وهي تتحدث عن تأريخ المدينة، وسحرها، ومأساتها الحاضرة.
وكتب الشاعر مطيع ابن إياس في القرن الثامن، "الزمن زاد من الشر والشدّة وجعلنا نستقر في بغداد"، وهي كلمات تتلاءم مع بغداد وهي كلمات تتلاءم مع بغداد بعد مرور 1،200 سنة، "مدينة تمطر غباراً على الناس، والسماء تمطر، رذاذاً.
في عقودها الأولى من الزمن، كانت بغداد نابضة بالحياة، ومركزاً للثقافة.
وكتب أبو العلاء المعرّي قديماً، "لقد وقعنا في حب العراق عندما كنا في سن الشباب، وصلنا إلى نهاية مياه دجلة التي لا نظير لها، وزرنا أنبل الأشجار، أشجار النخيل، أطفأنا عطشنا، دون أن نشبع رغبتنا، يا للأسف لا شيء في هذا العالم يبقى حياً..
وتلك الكلمات كانت نبوءة: ففي عام 1258، حوصرت بغداد ودمّرت من قبل جيوش المغول، الذين قاموا بذبح وقتل عدة ألوف من سكانها كما دمّروا مكتباتها.
وكتب في هذا الشأن الشاعر تقي الدين بن أبي اليسر ما يأتي: أوّاه أيها الباحثون عن أبناء حول بغداد، فان الدموع ستخبركم..) ثم كتب بعدئذ، "لا فائدة من البقاء هنا، فقد سافرت الحبيبة، وكل شيء احترق وتحول إلى رماد".
ولكن بغداد ثبتت وتحملت..
ثم تأسيس مدينة بغداد من قبل الخليفة لتصبح عاصمة الإمبراطورية الإسلامية، ولكنها احتلت من قبل العثمانيين ومن ثم من قبل البريطانيين، وبغداد منذ تأسيسها وازدهارها غدت مكاناً لصدام الثقافات.
وكان في بغداد عدة ألوف من اليهود حتى عام 1952، وكتاب "بغداد مدينة في قصيدة". كتبها روفين سنير، إسرائيلي كان والداه يعيشان في بغداد.
وقد نشأ والد سنير في بغداد وكان عاشقاً للمدينة والشعر العربي ويقول: "اعتاد والدي على التحدث باللهجة البغدادية في البيت، على الرغم من إجابتنا، أنا وإخوتي بالعبرية"، ويكتب سنير في مقدمة الكتاب، انه الآن بروفيسور في الأدب العربي في جامعة حيفا.
ومن عدد كبير من المغتربين الذين جمع سنير قصائدهم، الشاعر العراقي اليهودي أنور شاؤول: "قلبي يخفق بالحب للعرب، وفمي ينطق بفخر لغتهم، إلا أننا نشترك في اصل واحد، وهو الذي ترجم القصائد العربية إلى الإنكليزية.
إن عمل المغتربين والشعراء عن المحتلين والإمبريالية والديكتاتورية، يسيطر على النصف الثاني من كتاب: "بغداد: مدينة في الشعر" فهناك معروف الرصافي الذي كتب في عام 1929 قصيدة يقول فيها: "في هذه الحكومة، فإن السر الأهم-ان الأوامر تأتي من لندن.. والمظهر الخارجي يقول إننا نحكم كل شيء ولكننا أساساً لا نفعل شيئاً".
وقد كتب عدد من الكتاب الكبار المعاصرين حول هذا الأمر، ومن بينهم الشاعر السوري أدونيس وسنان أنطون، ومن منفاه في نيويورك، يكتب أنطون قصيدة مهداة لشاعر شهير في بغداد بكونه سوق الكتب، وحيث وقع فيه انفجار ضخم أدى إلى قتل 26 شخصا في عام 2007.
"اسمك وشم أخضر، أواه بغداد ووجهك المتعب"، ويكتب في "رسالة إلى شارع المتنبي" ان شارعك جبهة لرأس يقطع كل صباح، وهذا هو فصل آخر، في سلسلة من الدم والحبر، وأنت تدرك ذلك"..
وبطبيعة الحال، حتى تفجير شارع الكتب قادر على إسكات شعراء بغداد، وينهي سنير مقتطفاته الأدبية ببيان لعبد القادر الجنابي، الذي يعلن أن كل قصيدة بغدادية يجد القارئ فيها"جلال مدينة تقف منذ قرون ضد برابرة التاريخ".
هيكتور توبر
عن: لوس أنجلس تايمز