أثارت الولادة القيصرية لداعش، ونموها السرطاني، قلق جميع القوى في المنطقة والعالم، فاجتمع العالم بكل تناقضاته وتبايناته على حربها، ووجد كل طرف أعذاره، وحسب بدقة مصالحه من القضاء عليها، أو مجرد الاشتباك معها، عراقياً وفرت للمالكي فرص الاستفادة القصوى من توافق طهران وواشنطن ضد هذا التنظيم الإرهابي لبناء قاعدة يرتكز إليها في وثبته باتجاه ولاية ثالثة، مُهمشاً معارضيه، ومُستقطباً العشائر السنية لتكون بديلا لسياسييهم، ورديفاً للجيش العراقي في هذه "الحرب المقدسة".
سورياً، قدمت داعش للأسد دليلاً جديداً، بأن نظامه يواجه حرباً إرهابية، يدافع هو بخوضها عن سلام العالم وأمنه، وألقت تجاوزات داعش بظلالها السوداء القاتمة على معارضي الأسد، لكنها من جهة ثانية منحتهم الفرصة، أو أجبرتهم على توحيد قواهم ضدها، بدعم إقليمي واضح، لتكون لمعارضي الأسد كلمة مسموعة في جنيف الثاني.
إيران لم تكن بعيدة عن جني الثمار، وهي تضع الغرب أمام خيار القبول باستمرار حلفائها في دمشق، أو انتظار ما ستقترفه دولة العراق والشام ضد الأقليات، وكسرها حالة الهدنة مع إسرائيل من جهة ثانية، وحتى أوباما استفاد وداعش تمنحه مبررات الانسحاب من ملف الأزمة السورية، وكذلك موسكو، التي تجد الفرصة مواتية لتحويل جنيف الثاني إلى مؤتمر لمكافحة الإرهاب الذي ضرب عمق الأراضي الروسية.
تنقسم المنطقة على خلفية الاتهامات المتبادلة في دعم نهوض داعش، فتحالف قوى الممانعة يتهم السعودية، التي تلمح إلى دور إيراني نفذته بغداد ودمشق، بالإفراج أو تسهيل فرار المعتقلين لديهما، من أتباع القاعدة، وعلى أنغام هذا الاختلاف، بات واضحاً أن الحروب المستعرة ضد داعش، لن تقضي على المتشددين في طرفي المعادلة المذهبية، وسيفرض العنف الطائفي إيقاعه، في سوريا والعراق ولبنان، حيث تغيب الهويات الوطنية الجامعة، لصالح الانتماءات المذهبية والطائفية والإثنية، مع تمتع كل طرف
برعاة إقليميين يتبنون الصراع المذهبي، كأساس لسياساتهم.
استثمار اللحظة الراهنة سياسياً ممكن في العراق، من خلال دمج السنة مجددا في العملية السياسية، ربما من خلال إعادة الحياة إلى الصحوات، كخطوة أولى يشعر معها أبناء هذه الطائفة بدورهم الإيجابي في وطنهم، واستعادة دور بغداد، بعد انكفاء استمر عشر سنوات عجاف، وممكن في سوريا من خلال التراجع عن تشبث النظام بالحلول العسكرية، واللجوء إلى الشعب مُجدداً، ليحدد شكل نظام الحكم المطلوب، كما أن بمقدور السعودية وإيران وضع حد للتنابذ المذهبي، الذي يخيم على المنطقة، من خلال الاعتراف بالنفوذ الإقليمي لكليهما.
من المهم ملاحظة أن تنظيم داعش ليس بالسهولة التي يتوهمها البعض، والانتصار عليها نهائيا لن يتم بجولة أو اثنتين، وربما استمرت الحرب معها بصور مختلفة لسنوات، وأن استفادة دمشق من الحرب بين معارضيه لن تكون نهائية، ذلك أن تمكن القوى الإسلامية "المعتدلة"، المدعومة إقليمياً ودوليا من الحد من دحر داعش، سيعني أن مواجهة قادمة ستكون أشد ضراوة وعنفاً، بين بين النظام وخصومه المتوحدين وراء فكرة التخلص منه بالحرب أو من خلال جنيف، بعد حصولهم على "شرف" المشاركة في دحر الإرهاب الذي كان محصوراً بنظام الأسد من الناحية النظرية.
الخلاصة أننا أمام معادلة جديدة تتبلور في المنطقة باتفاق دولي إقليمي، تبدأ بالخلص من شرور داعش، وربما تليها جبهة النصرة، وبعدها التفرغ لنظام الأسد، وأنظمة أخرى ستتضح صورتها في ضوء نتائج معارك اليوم.
وما أدراك ما داعش
[post-views]
نشر في: 7 يناير, 2014: 09:01 م