قبل العرض ليس كل ما يكتب عن السينما بشكل عام يعد تقويما او نقدا ،فالأمر أكثر صعوبة ويتطلب تجربة فالكتابة في مجال النظريات السينمائية والمتابعة لهذا (الفن – الصناعة ) هو غير ما يكتب كعرض وابداء راي ،وعند تناولنا لأحد الأفلام ربما يعد هذا ر
قبل العرض
ليس كل ما يكتب عن السينما بشكل عام يعد تقويما او نقدا ،فالأمر أكثر صعوبة ويتطلب تجربة فالكتابة في مجال النظريات السينمائية والمتابعة لهذا (الفن – الصناعة ) هو غير ما يكتب كعرض وابداء راي ،وعند تناولنا لأحد الأفلام ربما يعد هذا رد فعل واع عن المشاهدة الأولى أو الثانية وليس نقدا ولذلك لا يصلح أن يكون اضافة لاتقبل الدحض إلا اذا كان من اختصاصيين ، هذا المقال يعد عرضا من وجهة نظر مشاهد ونذكّر أن مشاهداتنا لأي فيلم هي على الأغلب مشاهدة غير متكاملة إذ تتم عبر شاشة الكترونية بسبب غياب صالات العرض في العراق مما يفقدها مقومات المشاهدة ( السينمائية ) التي تتوفر في امكنة أخرى ( صالة مظلمة ،شاشة كبيرة ،وجود مسافة للمشاهدة ،الهندسة الصوتية ،العامل الفيزيائي- سقوط الصورة على الشاشة عبر شريط السلولويد وليس من شاشة الكترونية ) مشاهدتنا للأفلام حاليا تشبه مشاهدة مسرحية عبر التلفاز وليس في صالة عرض مسرحي .
يقول المخرج الأمريكي "دارين ارنوفسكي " 🙁 استطيع أن أقول إنني تعلمت السينما في غرفة المونتاج لقد كنت أساعد الجميع في أثناء عملية مونتاج أفلامهم وهناك عرفت أن فن السينما يعتمد على أمر أساسي هو الحكي عبر الصورة وقطعها) هنا يلخص اورونفسكي اللغة السينمائية ،وسيلة الاتصال الواسعة الانتشار ،اللغة العالمية ، لكنه لم يقدم فيلما تقليديا على هذا القياس حتى في بداياته ولم تكن أفلامه سهلة وحكائية مثل الكثير من الأفلام التي تعتمد الحكاية وتدخل غرفة المونتاج التقليدي لتقطع وصلاتها الفائضة محتفظة بالزمن السينمائي المفيد لشباك التذاكر ،كانت البداية مع فلمه الأول " pi " أخرجه عام 1998 والفيلم يدخل إلى حياة عالم رياضيات عبقري يعتزل الناس ليطور نظرياته يدعمه اتجاهين لأغراض مختلفة ،اتجاه مادي وهي مؤسسة بورصة والثاني مجموعة أحبار لأغراض دينية ،وقد صور الفيلم بالأبيض والأسود لإعطاء الفيلم دلالات فلسفة الرياضيات في نظرية " النسبة الثابتة "،كاتب القصة هو بطل الفيلم " سين كوليت " اما السيناريو فقد كتبه المخرج نفسه ،فلمه الثاني " مرثية حلم " قدمه عام 2000 ،تناول فيه قضية انتشار المخدرات في أمريكا ليصور الربوتات البشرية التي تقودها هذه السموم إلى حتفها ،الشخصيات الأربع التي تقع تحت تأثير الإدمان بدءا من التجربة ثم الانتشاء ثم السقوط في ظلام الكوابيس ،الفلم سوداوي واعتمد ارنوفسكي عل اللقطات القريبة على الأغلب إضافة للإيقاع السريع المتصاعد بحبكة متماسكة ،فلمه الثالث جاء بعد ست سنوات ،كان يحضر لعمل مميز قفز فيه إلى أفق ميتافيزيقي بموضوع إنساني ،فلم " النافورة " عام 2006 وهو من بطولة هيو جاكمان و راشيل وايز يتناول الفيلم حكاية دكتور يبحث عن علاج لزوجته المصابة بالسرطان إلا إن بحوثه المادية لم تنجح فيتحول إلى البحث عبر الروح والعودة الى الأساطير ليكتشف إن الحب هو المحرر الحقيقي للروح من ألآم الجسد ،والفيلم مركب بطريقة المونتاج المتوازي اذ يبحر في الماضي والحاضر والمستقبل ،فيلمه الرابع " المصارع " قدمه عام 2008 , وهو من بطولة ميكي رورك وماريزا تومي وكليهما رشحا لجائزة الأوسكار قام حاز على إعجاب النقاد وحصل على إيرادات جيدة ،وهذا الفيلم أعاد رورك إلى السينما بعد ان أهمله المخرجون ،وهو حكاية دراماتيكية عن حياة مصارع يغادره المجد ويصبح فقيرا ليعيش حياته ممزقا بوحدته اذ لا يتمكن من ضم ابنته إليه .
“Black Swan” فيلم ارنوفسكي الخامس 2010..يعد فيلما إشكاليا لاختلافات في الرأي على تأويلات السيناريو الذي كتبه ارنوفسكي بنفسه عن قصة للكاتب "اندري هاينز" ،والتوظيف المختلف لفكرة (بحيرة البجع ) ، منذ مشهد القطار الذي تتخيل فيه نينا منافستها ينمو السيناريو باتجاه سيكولوجي حيث ينشب الصراع داخليا بين البجعة السوداء والبيضاء ليفقد المشاهد المتابعة التقليدية لبطل ايجابي عودتنا السينما على تبريرات انحرافاته لنشاهد رعبا في الأعماق الإنسانية،وعند فنان ، تتراكم وتنمو داخل البجعة البيضاء (نينا) " ناتالي بورتمان" هواجس سوداوية تتصارع مع تلك المشاعر الخيرة الأصلية ،مخرج عرض الباليه(فينسينت كاسيل) يصر على ان دور البطلة سيكون لمن تؤدي دور الملكتين بنجاح ،الرعب يسكن نينا لان الام "باربرا هيرشي" راقصة قديمة تدفع ابنتها (نينا) للفوز بالدور كتعويض شخصي لما لم تفز به هي ، لكن المخرج يجد انها لا تجيد دور البجعة السوداء وسيحرمها ذلك من الفوز بالبطولة، الانتحار في نهاية العرض المسرحي يصبح حقيقيا لتاكيد جوهر العقل الذي لم يستطع ان ينهي غريزة الشر ،لم يكن الانتحار لفوز الساحرة بقلب الحبيب كما هو الحال في الباليه بل لمعاقبة الشر الكامن في نينا الموسيقى التصويرية الرائعة لكلينت مانسل اضافة الى مشاهد الرقص لعبت دورا في تخفيف الصدمات السوداء لإعادة الهدوء والطمأنينة النفسية لسياق القصة ، النهاية المأسوية بموت نينا خلق شعورا مؤلما بانتصار البجعة السوداء وهو ماراده الفيلم ليسميه باسمها ، البجعة السوداء، الفيلم يقدم معالجة تتماهى مع اسطورة باليه 'بحيرة البجع'، حيث حقيقة أن الشر/ البجعة السوداء يكمن في داخل كل منا، قبل أن يكون في أي مكان آخر، والنصر الحقيقي ليس بالبقاء او الموت بل على قدرتك في الانتصار على الشر في داخلك لتصل الى الكمال حتى لو عن طريق التضحية ، النهاية المأسوية بموت نينا خلق شعورا مؤلما بانتصار البجعة السوداء وهو ماراده الفيلم ليسميه باسمها ، البجعة السوداء، الفيلم يقدم معالجة جديدة تلخص أن الشر/ البجعة السوداء يكمن في داخل كل منا، قبل أن يكون في أي مكان آخر، والنصر الحقيقي ليس بالبقاء او الموت بل على قدرتك في الانتصار على الشر في داخلك لتصل الى الكمال حتى لو عن طريق التضحية .
الثيمة الأبرز التي اشتغل عليها المخرج ، هي صراع الخير والشر في شخص واحد من خلال رمزيهما الأبيض والأسود وهو ما عالجه ايضا دارين أرونوفسكي في فلمه السابق "المصارع-The Wrestler" ، وقد صرح به عندما قال بأنه يعتبره قريناً لفيلم البجعة السوداء، الرؤية التي جسدها دارين في فلمه تبدو فلسفية أكثر من كونها واقعية وقد نجح دارين تماما بخلط مشاهد الوهم بالحقيقة بانتقالات مقنعة ،لقطات مضطربة قلقة الى اخرى مستقرة متابعة بانسيابية لمشاهد الرقص ،كما غلب اللون الأسود والأبيض على مشاهد الفيلم وهما لوني موضوع الصراع .
" ناتالي بورتمان" كانت مبهرة في تجسيد شخصية مركبة السيرورة تعاني من صراعاتها النفسية، وتفوقت بأداء رقصة البجعتين بذات الدقة والمهارة التي جسدت فيها ثنائية الاستسلام للأوهام الشريرة و العودة الى البراءة والندم ، وكانت صادقة وجريئة في التحول من فتاة صغيرة توحي بالبراءة إلى امرأة تعرف جسدها وتحقق رغباتها وأنوثتها، وتمرّدها ، تركيبة لشخصية صعبة ومعقدة مكونة من فتاة بريئة وراقصة باليه مبدعة وإرهاصات شخصية شريرة في اعماق مريضة فاستحقت بورتمان عن ذلك الأداء جائزة الأوسكار بجدارة.