TOP

جريدة المدى > سينما > (12 عاماً من العبودية) الانتهاك السافر للإنسانية في الولايات المتحدة

(12 عاماً من العبودية) الانتهاك السافر للإنسانية في الولايات المتحدة

نشر في: 8 يناير, 2014: 09:01 م

عديدة هي الأفلام التي تناولت قضية تحرير العبيد في فترات التمييز العنصري في الولايات المتحدة  , بيد أن الأفلام التي تركت بصمات واضحة ومؤثرة على الشاشة الكبرى والتي لا يمكن لغبار السنين أن ينال منها  يقف في طليعتها فيلم (ذهب مع الريح ) الذي ي

عديدة هي الأفلام التي تناولت قضية تحرير العبيد في فترات التمييز العنصري في الولايات المتحدة  , بيد أن الأفلام التي تركت بصمات واضحة ومؤثرة على الشاشة الكبرى والتي لا يمكن لغبار السنين أن ينال منها  يقف في طليعتها فيلم (ذهب مع الريح ) الذي يعد واحدا من روائع السينما الخالدة فضلا عن  فيلم (ديجانكو ) ،وكان آخرها فيلم (لنكولن ) ، وها هي السينما الأميركية تعود من جديد لتسلط الضوء  بصدق مؤثر على حقبة وصفت بأنها الأكثـر بشاعة في التاريخ الأميركي كونها اتسمت بوحشية  لا تعرف حدودا. قصة الفيلم تستند إلى وقائع حقيقية جرت في منتصف القرن التاسع عشر وتم تدوينها في مذكرات كتبها سولمون نورثاب ونشرها في عام ١٨٥٣ يسرد فيها رحلته في جحيم العبودية . فكانت متناغمة مع قضية تحرير العبيد ومعاناتهم   بأسلوب حاد ولاذع  وأثارت في حينها ضجة كبيرة  لا يمكن تصورها .
قصة الفيلم
 يروي الفيلم قصة واقعية عن رجل أسود يدعى سولمون نورثاب ، أغراه  أسلوب وطبيعة الحياة في واشنطن  فسافر  وترك بلده وعائلته  في مدينة ساراتوكا  في نيويورك حيث وعدوه  بالحصول على المال بوسائل سهلة و سريعة بعد أن أقنعه البعض بالسفر إلى تلك المدينة  للمشاركة في مسابقة موسيقية للعزف على الكمان ليقيم فترة من الزمن هنالك ثم يعود لبلدته ولعمله الأساسي كعازف كمان بيد انه تعرض لخدعة فيتم تخديره و خطفه و مصادرة  كل أوراقه الثبوتية وبيعه في سوق العبيد،إذ  يتعرض إلى ضرب مؤلم . و تم إخضاعه لقوانين صارمة كونه من العبيد ، فهو بنظرهم حاجة من حاجاتهم المادية التي يملكونها وحاله حال  البغل أو الكلب أو أي حيوان آخر .  كان سيده الأول  فورد  رجل مسيحي عطوف ونبيل  ويعامله معاملة حسنة ويكن له كل الاحترام لينتقل بعدها وبعقد آخر في الخضوع لسيد آخر يدعى( ايبس ) صاحب القلب المتحجر الذي لا يفكر إلا في إيذاء الآخرين وهو رجل  مدمن على الكحول  ومريض نفسيا . استطاع  المخرج ستيف ماكون  صاحب الشهرة الواسعة والمتخصص بإثارة قضايا مهمة تثير وراءها جدلا كبيرا ان يثبت كامرته في الفيلم على شخص يتضور جوعا حتى الموت ويعذب على يد تجار الرقيق الأبيض المتوحشين  في جنوب  واشنطن بمشاهد في غاية الانسجام والتناغم ليصور مآسي العبيد ومعاناتهم  ويرسم  الخوف على ملامح وجوههم . الصور عند ستيف ماكون  تحظى بمقدار كبير من القوة وغالبا ما يكون حذرا في أغلب أفلامه كونه يبحث عن ردود أفعال شخصياته لحظة تعرضهم للإذلال والمهانة الشديدة  . يزج سولومون الذي قام بتجسيد دوره الممثل البريطاني (شيوتل ايجيفور )  بالسجن في انتظار بيعه  . إن مظاهر الشفقة والرحمة تكاد تنعدم في جميع الشخصيات التي تعلوها البشرة البيضاء من رجال ونساء على حد سواء والتي قدمها لنا المخرج ،إذ نلمس وحشيتهم وعدوانيتهم ، وعلى النقيض من ذلك نلاحظ معاملة  فورد الطيب القلب  الذي جسد دوره الممثل  (بنديكت كومبرباتش) المدافع عن إنسانية عبيده . إن شخصية بيت ايبس التي جسدها الممثل (مايكل فاسبندر) وزوجته كوركان التي لعبت دورها الممثلة ( سارا بولسون ) كان هدفها الأساسي أن ترى زوجها ينال لقب  سيد العبيد , ولم تكترث لمعاناة وصيفتها باتسي التي لعبت دورها الممثلة (لوبيتا نيونكو ).
لقد أثنى النقاد على الأداء الرائع والمتميز للممثل مايكل فاسبندر الذي جسيد شخصية (أيبس )،وكان أسلوبه الخطابي المذهل وهو يجوب المناطق الريفية كي يستولي على الفراغ السياسي آنذاك  ويكسب علاقات متشعبة . نجح  كاتب السيناريو جون ريدلي بتوثيق الفترة الزمنية التي وقعت بها أحداث الرواية ، وكان أمينا في سرد الحقائق وجاء العمل  ليتوافق مع الرهانات الكبيرة حيث أعطى الممثل (كامبرباتش ) صورة مفصلة ودقيقة لرجل لا يستطيع المواءمة بين فكرتين متناقضتين : إن العبيد هم بشر وليس أملاكاً منقولة .وبالرغم من تأخر نجومية الممثل ايجيفور منذ فيلمه الأخير( أشياء جميلة قذرة Dirty Pretty Things )، فقد اختص في فن التمثيل الإيمائي( البانتومايم )حيث جسد الرعب والشقاء مستغلا ملامح وجهه وبناءه الجسدي. يقول الجيكور "إن السبب الذي يكمن وراء قبولي هذا الدور بالرغم من مشاهده الرهيبة هو فكرة ومضمون هذا الفيلم الذي لم يكن تقليديا بل هو تصوير صادق للغاية لأكثر حقب التاريخ الأميركي وحشية ". ومن المشاهد المؤثرة جداً في الفيلم منظر فتاة تدعى باتريشيا أراد سيدها الأبيض اغتصابها ولدى مقاومتها له أصدر حكما عليها بالجلد .إنها  مناظر تقشعر لها الأبدان وتشمئز لها النفوس بعد أن سلخت السياط جلدها ولم ترضخ لطلباته الشهوانية ..
  يعترف ماكوين أنه أراد أن يقتبس قصة سلومون نورثاب بعد أن شعر بأن الحقائق القاسية لزمن العبودية نادرًا ما تم تصويرها وإخراجها على الشاشة الكبيرة ، وأضاف : (أردت أن أرى تلك القصة الحقيقية مجسَّمة في الفيلم ) حيث يتساءل ماكوين عن الأسباب التي تدعو إلى  الغياب الواضح للأفلام التي تناولت تاريخ العبودية في الولايات المتحدة.
يصور ستيف ماكوين هذه الرحلة بكل قسوة فضلا عن  مشاهد التعذيب التي ينتزع فيها لحم العبيد على وقع السياط ، الاغتصاب ، والانتهاك السافر للإنسانية ، مشاهد فاقت في واقعيتها ما تم تصويره سابقاً في أفلام تناولت تلك الفترة.  مجسداً المعنى المؤلم للعبودية من خلال عينيّ سولومن الذي يرى مشاهد التعذيب أمامه  فيرى الأم التي يؤخذ منها طفلها، ويرى الشابة التي تستغل من قبل مالكها الأبيض، وذلك الذي يشنق  لمجرد أنه أبدى رأياً في شأن يخصه.
استطاع المخرج ستيف ماكوين أن يبدع في مشاهد عديدة كان أبرزها   : مشهد الإعدام  ليبين صلابة سولمون وقوته رغم الأصفاد  التي تكبله و تصميمه على التمسك بالحياة وهو يقف بين الحياة والموت بين الإذلال والعنفوان. مع حبل المشنقة حول عنقه محاولا البقاء على قيد الحياة من خلال  إحباط عملية الإعدام   الخارجة  عن  القانون ليقف على أطراف أصابعه في الطين ، في حين أن بقية العبيد ساروا بتثاقل  إلى  أكواخهم والتوجه نحو أعمالهم اليومية ، وتجاهل  محنته بشكل متعمد .تعاطف المخرج ستيف ماكوين كثيرا مع أحداث الفيلم بسبب جذوره الأفريقية  فكان أجداده قد خطفوا من غرب أفريقيا ضمن تجارة الرقيق وتم  بيعهم  في سوق العبيد. وقد حرص ماكوين على تصوير كل المشاهد الخارجية في مزرعة لا تبعد سوى أميال قليلة عن المزرعة التي أمضى فيها سولمون عبودية الاثني عشر عاماً بولاية لويزيانا. ..  انهها ميلودراما مؤثرة نفذت بشكل رائع إلا ان الرؤية الإخراجية لستيف ماكوين كانت صارخة ومدوية لحساسية الموضوع ولجعل فيلمه يحمل السمات الفنية الحقيقية .
أضفى الممثل شويتل ايجيفور سمات مفعمة بالعاطفة على الشخصية  التي أظهرت  انطباعا معاكسا تماما يلعبه القاتل الفاشي بلا شفقة  وعيناه تتحملان كل يوم  معاناة لكنها  عنيدة ترفض الاستسلام لليأس . لا توجد أدوات واضحة لصياغة  وتحديد مرور الزمن ، مما جعل التجربة برمتها تبدو وكأنها حلم سيرا على الأقدام من خلال الجحيم . كما ان النهاية المثيرة   فاجأتنا كثيرا   ، وربما هنالك نوايا غير مرضية لنرى شيئا فعليا  عن كيفية تأثير هذه المحنة التي لا مثيل لها  على نورثاب وعائلته .   (12 عاما من العبودية ) رحلة طويلة ومؤثرة عبر سيناريو مدهش وذكي لجون ريدلي أجاد السرد بين الماضي والحاضر من خلال حركة كاميرا وبراعة تصوير وموسيقى تصويرية داعبت الروح ومونتاج محكم ، كما أن طاقم الممثلين تميز في نقل بشاعة تلك المرحلة المظلمة من التاريخ الأمريكي حيث نقلونا من خلال الأداء الرائع لكل نجومه  إلى أعماق تجربة إنسانية واقعية ومؤلمة وطويلة الأمد تنتهي بتحرير بطل القصة من أغلال العبودية وأصفادها والعودة إلى أسرته ؛ زوجته وابنه الذي أصبح شابًّا بعد فراق دام 12 عامًا .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. خيالي علمي

    السلام عليكم ام بعد الجريمه التي فعلها اروبا ليست وحده تحاسب بل العرب ايضا يحاسب ان لعرب هم من بدو مايسمي عبداسواد حتى اتانا رسول عليه افضل سلام ولكن معظم العرب بعد إسلام كان متورطين ي بيع بشرا بري والله اعلم بما اقول وسبب دخول الغرب لي افريقيا العرب ارشد

يحدث الآن

وفاة المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل

الداخلية: طرد أكثر من 4 آلاف منتسب وإحالة 15 ألف قضية إلى المحاكم

ائتلاف المالكي يحذر من عودة المفخخات والتهديدات الارهابية الى العراق

طقس صحو والحرارة تنخفض بعموم العراق

الفصائل تهدد "عين الأسد" بسبب احتمالات بقاء الأمريكيين فترة أطول في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram