لا أحد يستطيع فهم على ماذا يعتمد عمران الزعبي، وزير الإعلام السوري، وهو يعلن متبجحاً أن وظيفة مؤتمر جنيف الثاني، هي الخروج باتفاق مشترك على محاربة ما وصفه بالإرهاب، وأن التصدّي له ينبغي أن يكون العنوان الرئيسي للمؤتمر، ولم يفته التقليل من شأن الدعوات لتشكيل حكومة انتقالية، داعياً في المقابل لحكومة وحدة وطنية، أو التلويح بحوار سوري في الداخل، بغض النظر عن نتائج جنيف، الذي وصف نجاحه على هذه الأسس بالإيجابي، شرط خضوع نتائجه لاستفتاء عام في سوريا، ودون ذلك لن تكون له قيمة ولا معنى على الإطلاق، وقطع الوزير السوري بثقة زائفة، أنه لايوجد في قاموس السياسة شيء اسمه مؤسسة حكم انتقالي، وفسر المطلوب من جنيف، أن يعمل على تشكيل حكومة موسعة، أو حكومة وحدة وطنية.
قبل الانتقال إلى إبداعات أخرى للوزير الزعبي، لابد من تذكيره بأنه ليس مُخولاً بوضع أجندة المؤتمر، وأنه ليس أكثر من طرف، تسببت حماقته وتعنته، مع حماقة وتعنت الآخرين، في إيصال سوريا إلى وضعها البائس الراهن، وأنّ مزيداً من التشبث بالمواقف، لن يقود إلى غير مزيد من الموت والدمار، وصولاً إلى تقسيم البلاد على أسس طائفية، ثم إن تحديد وظيفة المؤتمر بمحاربة الإرهاب سيطال حكومته، التي مارست إرهاب الدولة لما يقرب من ثلاث سنوات، دون أن نتجاهل أن معارضيها ارتكبوا نفس الموبقات، حين أسلموا قيادتهم للمتطرفين والتكفيريين، أما ادعاؤه بأن المطلوب هو تشكيل حكومة موسعة، أو وحدة وطنية، فهو اعتراف بأن الحكومة التي يشغل فيها موقع وزير الإعلام، هي حكومة ضيقة مفصلة على مقاس حزب البعث، وليست حكومة وحد وطنية.
الإبداع المفاجئ كان حين أخذ الوزير دور الشعب السوري، ليعلن باسمه أن هناك قراراً شعبياً بترشيح الأسد للانتخابات المقبلة، وأن الشعب السوري سيضغط عليه لترشيح نفسه، وهو هنا يصادر الإرادة الشعبية مُسبقاً، ولم يكن ينقصه غير إعلان أن الشعب انتخب الأسد بنسبة التسعات المعروفة في الأنظمة الشمولية، وأن الرجل لايملك غير الرضوخ للإرادة الشعبية، مع أن قراره بترشيح نفسه قرار شخصي، وهكذا يمكن لنا أن نتصور أية مهزلة انتخابية يُخطط لها النظام، وأي استهتار بعقول السوريين وإرادتهم يحرك خطواته، وأي فقدان للإحساس بأي شكل من أشكال المسؤولية الوطنية، يدفع الزعبي لاستباق الأحداث بهذه الثقة المزعومة، وهو يتجاهل أن ثلاث سنوات من الموت والفوضى واستباحة الجغرافيا السورية، كانت بسبب مطلب شعبي وحيد، هو التغيير، وإنهاء حكم الأسد والبعث بإرادة شعبية حرة وواضحة.
للإنصاف، فإن معارضي الأسد لايقلون عنه من حيث العنعنات، التي لاأثر لها ولافائدة منها، وهم يتقاتلون اليوم على جلد الدب قبل اصطياده، فبعض أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة، "ما أكبر الإسم وأقل الفعل" انسحبوا من الائتلاف، لخروجه عن ثوابت الثورة السورية، وفشل كل المحاولات لإصلاح الجسم السياسي، وانفصاله عن الواقع، وعجزه عن تحمل مسؤولياته، وبعده عن تمثيل القوى الثورية والمدنية داخل سوريا، ولعل لهم الحق فيما ذهبوا إليه، لكن المؤسف أنهم لايطرحون بديلاً، لأنهم ببساطة لايملكونه، على أن انسحابهم سيُسجل لصالح النظام عشية جنيف، الذي سيقرر بدون الائتلاف والنظام مستقبل سوريا، الذي يبدو مظلماً حتى الآن.
مسكين الشعب السوري المُبتلى بالنظام ومعارضيه.
جنيف 2 بين الأسد ومعارضيه
[post-views]
نشر في: 8 يناير, 2014: 09:01 م