نعى الكثيرون الموسيقى "الكلاسيكية" في القرن العشرين، فهي لم تعد تشبه ما اعتدنا عليه لغاية نهاية العصر المسمى الرومانتيكي (امتد حتى بدايات القرن العشرين). فقد بدأ الموسيقيون بتحطيم التقاليد الموسيقية العريقة التي تبلورت خلال قرون، ودعوا إلى التحرر منه
نعى الكثيرون الموسيقى "الكلاسيكية" في القرن العشرين، فهي لم تعد تشبه ما اعتدنا عليه لغاية نهاية العصر المسمى الرومانتيكي (امتد حتى بدايات القرن العشرين). فقد بدأ الموسيقيون بتحطيم التقاليد الموسيقية العريقة التي تبلورت خلال قرون، ودعوا إلى التحرر منها، وبرز في هذا المسعى النمساويون آرنولد شونبرغ وآلبان برغ وآنتون فيبرن الذين قرروا تحطيم المراكز النغمية (الاعتماد على السلالم في التأليف الموسيقي)، ففتحوا الباب أمام إعادة اكتشاف الموسيقى في العصر الحديث، بما يواكب التقدم العلمي والتقني الهائل، ويتلاءم مع تعمق الصراع السياسي والاقتصادي وتعاظم التأثير المريع للحروب والأزمات الإنسانية التي يشهدها كوكبنا منذ الحرب العالمية الأولى.
ومع ذلك، استمرت جذوة الروح الرومانتيكية في التأليف الموسيقي حية على يد عدد كبير من الموسيقيين، أحد أبرزهم دمتري شوستاكوفيتش 1906-1975 الذي كتب عدداً من أجمل الأعمال الموسيقية في القرن العشرين، منها كونشرتو البيانو رقم 2 في فا الكبير (عمل رقم 102) الذي ألفه سنة 1957. أكثر ما أعجبني فيه الحركة الثانية البطيئة أداجيو التي أعتبرها قمة في التأليف الموسيقي. تبدأ الأوركسترا بلحن جميل وحزين وحميم (في سلم دو الصغير) وبإيقاع ثلاثي (نفس إيقاع موسيقى الفالس الراقص!)، لكن بعد انتهاء الأوركسترا من مقدمتها الحزينة يدخل البيانو بسلم دو الكبير دون أي تمهيد نغمي (دون تحويل MODULATION من قبل الأوركسترا) بلحن غنائي رقيق وبسيط أكثر جمالاً، ليواسي حزن مقدمة الأوركسترا ويمسحه تماماً، قبل أن تعود هذه الحركة إلى الأجواء الحزينة التي بدأت بها. هذه الحركة مليئة بعاطفة ومشاعر يندر العثور عليها في الكثير من الأعمال الأخرى. في هذا لا أبخس من قيمة الحركتين الأولىس والثالثة الغنيتين بالألحان المبتكرة والإيقاعات النادرة والمشاعر العميقة.
جميع التعليقات 1
Fatin
تتحفنا دائما بالمفيد يا مبدع!