كان المصور التشيكي جوزيف كوديلكا، يبدو بلحيته و شعره البري الأبيض، و هو مرتدٍ قميصاً زيتونياً فاتحاً، و سترة قتالية، أشبه ببابا نويل حرب عصابات. و قد حصره الصحافيون، بكاميراتهم و هواتفهم، في زاوية من معرضه الشخصي في جلسة أسئلة و أجوبة تحدث فيها عن مش
كان المصور التشيكي جوزيف كوديلكا، يبدو بلحيته و شعره البري الأبيض، و هو مرتدٍ قميصاً زيتونياً فاتحاً، و سترة قتالية، أشبه ببابا نويل حرب عصابات. و قد حصره الصحافيون، بكاميراتهم و هواتفهم، في زاوية من معرضه الشخصي في جلسة أسئلة و أجوبة تحدث فيها عن مشاعره نحو الناس، و الموسيقى، و الطابع المسرحي للحياة، و التصوير الفوتوغرافي. كما عبّر فيها عن غضبه الدائم على المظالم و أنظمة الحكم المستبدة ذات التاريخ الطويل من قمع الناس و ثقافتهم الوطنية.
و يغطي معرض كوديلكا الاستعادي المقام في المتحف الوطني للفن الحديث في طوكيو حتى أواسط كانون الثاني، تجارب المصور الفوتوغرافي بالأسود و الأبيض من أوائل ستينات القرن الماضي من خلال سلسلة " الغجر Gypsies " و عمل الصحافة الصورية المتميز بشأن الهجمة السوفييتية في موطنه في عام 1968. و يستمر ذلك حتى آخر عمل منظري له في شكل بانورامي.
و كشخص متلائم يعتبر نفسه جوَّالاً و منفياً ( و نصيحته الوحيدة للمصورين الشباب " أن يشتروا حذاءً جيداً " )، فإن عمل كوديلكا قد تنقّل هنا و هناك في الشكل و النوع في مسيرته المهنية على مدى أكثر من نصف قرن. فهناك التشكّل الفعال الدراماتيكي للّقطات الفوتوغرافية التي تسجل لحظات حاسمة، و لكن أيضاً ما يذكّر بالتصوير الساكن المبعَد لفوتوغراف أوغست ساندر الوثائقي ــ اللذين يقارَنان معاً بالمنظر الطبيعي الواسع النطاق و غير المأهول عموماً في السنوات الأخيرة.
و في الوقت الذي يوفر فيه هذا المعرض البارز، الذي يتضمن أكثر من 300 صورة، خبرةً بصرية كثيفة في التصوير بطرق مختلفة يمكن استخدامها، فإن غالبية الصور يغلب عليها الثقل و عتمة الأماكن الضيقة.
و لقد كانت الدراما جزءاً مهماً من العمل التصويري المبكر لكوديلكا : لأنه، بالمعنى الحرفي، اشتغل لمجلة مسرحية في الستينات، مبدعاً صوراً مؤثرة، لكن أيضاً لأن العمل المسرحي كان موجوداً، و ما يزال، بشكل عميق في الرؤية العالمية للمصور. و يتمثل هذا في تغطيته لبعض أحداث الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968، و في إنجازه سلسلة صور " الغجر "، وكان يعمل آنذاك مصوراً مسرحياً، و قد وصف كوديلكا عمله ذاك بـ " مسرح الواقع ".
و من خلال التركيب الديناميكي و المجاوَرة juxtaposition ، يتحدّانا عمل كوديلكا في أن نستطيع التفريق بين المشهد و الواقع، و بينما لا توجد هناك إشارة فعلية بأن لأحدهما أفضلية على الآخر، فهذا ليس بالأمر المساوي لإنكار الواقع الذي يميّز ما بعد الحداثة. و كما يعبّر هو عن ذلك، " فإنك تشكّل العالم بمحدِّد نظرك، لكن العالم، في الوقت نفسه، يشكّلك. "
و من ناحيةٍ، فإن كوديلكا لا يريدنا أن نُصبح مستريحين جداً لأعماله كبيانات حاسمة. و بدلاً من ذلك، نجده يقطع الأجسام في الصور بشكلٍ حاد؛ فغالباً ما نرى الأشخاص مقطوعين من الركبة أو رسغ القدم، مفصولين بصرياً و مجازياً عن الأرض. بكلمات أخرى، تبرز أذرع و سيقان مفصولة داخل حيّز الصورة الفوتوغرافية، جاعلةً المشاهد سريالية و تذكرنا بأنه مهما كان التكوين متماسكاً، فإننا لا يمكننا أبداً أن نرى بالكامل صورة ما يجري في الواقع.
عن: The Japan Times