في الحرب، تبقى الحقيقة هي الضحية الأولى،ولأن الحرب لابد وان تكون بين طرفين فلابد أيضاً ان يكون كلاهما منتصرا من وجهة نظره ومن يؤيده ويهلل له من وسائل الإعلام..وفي الأزمة الأخيرة، ضاعت الحقيقة تماما بين لجوء قنوات معينة الى المبالغة في إيقاد جذوة الغضب كما في قناة الرافدين وزيادة جرعة نشوة النصر كما في قناة العراقية، أما القنوات الأخرى فلزمت جانب الحياد او التغطية الإعلامية المحدودة لتجنب الوقوع في مزالق الانحياز لجهة ما خاصة وان الخطاب السياسي لقناة ما يصبح اكثر أهمية لدى اقتراب الانتخابات لأن اغلب القنوات اما ان يملكها سياسيون سيخوضون الانتخابات او مرشحون جدد او اتباع لحزب او جهة سياسية معينة..
في العراق، لم يعد يدهشنا أي شيء..صار يمكن ان يتغير الخطاب الإعلامي لجهة ما بلمح البصر كما لم يعد غريبا ان يغير البشر جلودهم ونواياهم في غمضة عين ومن كان منهم مناصرا لقضية ما سرعان ماتجده معارضا لها وبالعكس..هل هي حرية الرأي والتعبير التي كنا نصبو اليها في زمن الدكتاتورية؟ واذا كانت كذلك فلماذا تحمل ملامح الفوضى بدلا من الوضوح..لماذا يتخبط الإعلاميون بين الولاءات لجهات متعددة والخوف من معارضي آرائهم؟..هل صار الثبات على مبدأ واحد والمناداة بقضية واحدة عبئاً تنوء به أكتاف الإعلاميين وما ان يقترب منهم خطر ما او تزغلل أعينهم اغراءات معينة حتى يلقونه بعيدا عنهم ويركبون موجة العصر..موجة السعي وراء المال والمصالح او الخنوع أمام قوى شر لاتتساهل مع من يجابهها برأي آخر...
نعود الى (الحقيقة)، تلك الضحية التي ضاعت وسط هذه الفوضى بين الدعاية والإعلان الانتخابي للشخصيات السياسية وزعماء الأحزاب والتكتلات وبين الترويج للجهات التي تملك وسائل الإعلام بشتى الطرق بينما يتعطش الجمهور لتلقي معلومات حقيقية وتواجد إعلامي في قلب الواقع وإمكانية نشر او بث المعلومات الخطيرة دون أية عراقيل او انتقادات وتكذيب أحياناً...لانريد ان نعود الى زمن كان الإعلام فيه ملكا للسلطة رغم ان مهمته كانت الترويج لشخص واحد وحزب واحد بينما يجري حاليا الترويج لعدة أشخاص وعدة أحزاب وتبقى الحقيقة أيضاً بعيدة عن متناول الجمهور الذي يستقبل قوالبَ جاهزة يتحتم عليه تصديقها مادامت تناغي منهجه وأسلوب تفكيره أو انتماءه وولاءه لجهة ما..
كان فولتير يعتقد بان الاختلاف في الرأي حتى لو وجد بين شخصين او فئتين فلابد ان يدافع كل منهما حتى الموت عن حق الطرف الآخر في أن يقول مايريد لكن ثقافة خنق الرأي والتسلح بالصمت بوجه السلطة والقوة جعلتنا ابعد مانكون عما قاله فولتير فنحن حين نختلف في الرأي نصم آذاننا عما يقوله الآخر وننتقده على طول الخط ونسعى الى تكميم فمه او نكذب كل ادعاءاته ونشهر به وننسب لأنفسنا كل الخصال الرائعة ونلصق به كل النقائص..بهذه الطريقة يعود الإعلام وسيلة لتحقيق أهداف مالكي وسائله، وهكذا تضيع الحقيقة الى الأبد..
أين الحقيقة؟
[post-views]
نشر في: 13 يناير, 2014: 09:01 م