TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تاريخ بطاقة بريدية

تاريخ بطاقة بريدية

نشر في: 14 يناير, 2014: 09:01 م

5-7
بعد وفاة المأمون، أهمل الخلفاء الذين جاءوا من بعده العلم، وشغلوا أنفسهم بالصراع على السلطة والانغماس في الملذات، خاصة بتعدد الزوجات ومجالس المجون، وأقصى ما قاموا به - لكي يبدوا مؤمنين - من إنجاز هو تشجيع أو دعم صاحب المدرسة الفقهية هذه أو تلك، أليس هذا ما قام به علي المتوكل بالله أيضاً. فبعد قضائه على ثورة القرامطة "الاشتراكية" في البصرة، وقتله قائدهم يحيى بن زكوريه القرمطي وغلامه الذي لُقب المطوق بالنور وابن عمه عيسى بن مهوريه، بحجة إدعائهم النبوة، أمر لا علاقة له بالحقيقة، لكنه خدمه لكي يبدو أكثر حرصاً من غيره على الإسلام. ولكي يثبت أمام الناس إيمانه وحرصه على الإسلام، ولم يسحق القرامطة بسبب مطالبتهم بالعدالة والحق، فلابد أن يبني صرحاً "إسلامياً" يشير إلى أثره، وهل هناك أفضل من الجامع؟ وليكن الجامع هذا إلى جانب إقامة صلاة الجمعة فيه، مكاناً لكي "تُقرأ فيه عقود القضاة ويصلي على جنائز الأعيان والعلماء" المقربين من الخليفة طبعاً، كما تُعقد فيه حلقات الفقهاء والمناظرين بكل ما له علاقة بالدين والُسنّة! وإذا كان جده الأول أبو جعفر المنصور استغرق 4 سنوات ببناء مدينة بغداد، لماذا لا يستغرق بناء جامعه أيضاً سنتين أكثر؟! ليس ذلك وحسب، بل لتكن منارته أعلى منارة في بغداد يمكن رؤية المدينة كلها عند الصعود على مئذنتها.
ست سنوات استغرق بناء الجامع ، من 901 - 907 م ، وسُمي أولاً بجامع القصر، ثم جامع الخليفة، قبل أن ينتهي أخيراً إلى اسم جامع الخلفاء، لكن تهديمه أو تهديم منارته لم يستغرق غير يوم واحد، ربما ساعات على يد جيش المغول بقيادة هولاكو الذي أطبق مثل تسونامي أو طاعون على بغداد.لا أحد يذكر لماذا فكر أباق ابن هولاكو بإعادة بناء ما هدمه أبوه، أو إعادة بناء منارته كما ظهرت في الصورة، على الأقل وبالذات في عام 1279م، عندما كان التتري عطا ملك الجويني والياً على بغداد؟ ولو لم يصف الرحالة المغاربي ابن بطوطة الجامع هذا في زيارته بغداد عام 1327 م، والذي أدهشته نقوش المنارة المحيطة بالسطح الدائري بأشكالها المعينية البسيطة، والتي بدت كما لو صُففت لتبرز من خلال الظلال المتباينة في الخط الآجري، لما ظن أحد، أن المنارة المبنية من الآجر فقط، ستصمد سنوات ودهور، قرابة سبعة قرون، قبل أن تتعرض إلى محاولات للهدم أو النسف، سواء عندما ستسقط بفعل الإهمال وعدم الصيانة كما حصل لها في زمن الاحتلال العثماني، ليأمر ببنائها من جديد الوالي العثماني سليمان الكبير 1779 – 1802م، الذي شيد أيضاً إلى غربها جامعاً لا علاقة له بالجامع القديم، وليصبح اسمها منذ ذلك الحين منارة سوق الغزل، لأن الجامع قد قُطعت أرضه منذ عقود وأنشئ عند حدوده الشرقية سوق للغزل، أو سواء بسبب تدخل السلطات، كما حصل هذه المرة في فترة الاحتلال البريطاني؛ الإنكليز أرادوا نسف المئذنة بحجة أنها تعرضت إلى التلف بسبب عوامل الطبيعة مما أثر على زخرفتها وأصبحت آيلة للسقوط. محاولة الإنكليز تلك فشلت بعد أن وقفت دائرة الآثار العراقية ضدها والتي أخذت على عاتقها مهمة صيانتها. في عام 1957، كان على المنارة أن تستفيق على حفارات تهدم الجامع الذي بناه سليمان الكبير والذي أمرت السلطات بهدمه لأجل فتح شارع الجمهورية الذي يمر بسوق الشورجة (من يجرؤ اليوم على تهديم جامع في العراق أو في مناطق الشرق الأخرى؟). في سنة 1960 شُيدت مكان المئذنة القديمة مئذنة جديدة وأعيد بناء الجامع على الطراز الذي بُني عليه أيام العباسيين.
المفارقة هي أنني في زيارتي الأولى للجامع الجديد الذي بُني في أوائل الستينات لم أتعرف على المنارة القديمة، ليس لأنها رُممت حتى بدت كأنها جديدة، بل بسبب الجامع الجديد الذي بُني إلى جانبها، من جهة سوق الشورجة، والذي أحيط بسياج من حديد، في الحقيقة السياج وحده هو تحفة من الفن والإبداع.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سافرات العبادي

العمود الثامن: غزوة علي الطالقاني

قناطر: البصرة في جذع النخلة.. الطالقاني على الكورنيش

كيف يحرر التفكير النقدي عقولنا من قيود الجهل والتبعية؟

العمود الثامن: العدالة على الطريقة العراقية

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى...
علي حسين

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

 علاء المفرجي علاقتي مع (السينمائي) لها حكاية، تبدأ من اختياري لها لكتابة عمودي (كلاكيت) منذ عددها الأول، ولا تنتهي بعددها الأخير. ولئن (السينمائي) تحتفل بعشريتها الأولى، كان لزاما عليّ أن أحتفل معها بهذا...
علاء المفرجي

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

جان ماركو ترجمة: عدوية الهلالي في الأسابيع الأخيرة، ومع ظهور الديناميكيات الجديدة للجغرافيا السياسية لترامب، تركز الاهتمام إلى حد كبير على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، بدلاً من التركيز على دول الطرف الثالث التي...
جان ماركو

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

محمد علي الحيدري يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram