قد لا يعلم الذين يرون في قول الحقيقة المرة عما يدور بالعراق اليوم كفرا وخيانة كبرى، إنني ابدأ صباحي كل يوم بالبحث عن خبر يحمل ولو ذرة أمل واحدة تبشر بخير قادم. وهؤلاء لا يصدقون طبعا، حتى لو أقسمت لهم بأبي الفضل العباس، اني أتمنى ان أعثر على إنجاز واحد لرئيس "حكومتهم" يحمل بارقة امل واحدة بوضع العراق على طريق الخلاص من الفساد والموت والفقر، كي أريح قلوبهم لا بعمود واحد بل بعشرات الأعمدة يشيد بدولته. لكني غالبا، او دائما انتهي من البحث لأدندن لا إراديا:
ترجه اليموت يعود روحي امهبوله
صكت عليه الكاع ما بعد أنوله
على عمود الأمس والذي سبقه رد بعضهم علي شاتما وبعض معاتبا لأني، من وجهة نظرهم، أتعمد البحث عن السلبيات وأغض الطرف عن "الإيجابيات"! يريد البعض ان اكتب عن عودة "الحياة الطبيعية" للأنبار وللفلوجة بشكل خاص. نعم هناك عناوين لأخبار من هذا النوع من "البشائر" على المواقع الإلكترونية الكثيرة المغرمة بدولته، لكني بصراحة أهملها ولا اتعب تفسي بتفاصيلها. تسألني هذه النفس: وهل بالعمارة مثلا "حياة طبيعية" حتى تكون لها أخت في الفلوجة؟ لا بل هل لها أخوات ببغداد والحلة والبصرة والناصرية وكربلاء والنجف؟ ثم ما هي "الحياة الطبيعية" حتى نشم لها رائحة بالعراق؟
أ حياة طبيعية والعراقي لا يعلم ان كانت السيارة التي أمامه مفخخة أم لا؟ وهل ان السيطرة التي تستوقفه وهمية أم حقيقية؟ وهل هناك حياة أصلا،، حتى لو غير طبيعية والبلد تترصد مواطنيه الكواتم والمفخخات ويعيث به السياسيون فسادا؟ من يظن ان "الحياة الطبيعية" هي مجرد نفس يصعد وينزل فليبحث عن الفرق بين حياة الإنسان والحيوان. عن أي حياة طبيعية يتحدثون؟
بلد تلوب به قلوب الأمهات على أبنائهن وترتعد فرائصهن لو تأخروا نصف ساعة عن الوقت المعتاد لعودتهم للبيت، هل تعد به الحياة طبيعية؟ اذا الأمان ضاع فلا حياة أصلا، فمن أين أتى أصحاب أخبار "الحياة الطبيعية" بأخبارهم؟
وان سألتموني عن تعريفي للمدن او البلدان التي حقا فيها حياة طبيعية، سأجيبكم ببساطة انها التي تنام بها الأمهات نوما عميقا وهانئا دون خوف.
قال أهل الموصل في أمثالهم: "أم المقتول تنام وأم المهدد ما تنام".