TOP

جريدة المدى > سينما > نهاية انفصال بداية الماضي

نهاية انفصال بداية الماضي

نشر في: 15 يناير, 2014: 09:01 م

هل علينا كبشر أن نجترّ خطايانا للأبد؟ ماذا لو وقفنا لحظة كي نتصالح مع ذواتنا ومع من نحب ؟ ماذا لو تركنا خلفنا ضحكاتنا ودموعنا السابقة من أجل أن نعيش لحظات الآن ، والآن فقط ، بكل تجلياتها من أجل خطوات آتية مختلفة ؟لحظة الصفاء مع الذات هذه ومحاسبتها هي

هل علينا كبشر أن نجترّ خطايانا للأبد؟ ماذا لو وقفنا لحظة كي نتصالح مع ذواتنا ومع من نحب ؟ ماذا لو تركنا خلفنا ضحكاتنا ودموعنا السابقة من أجل أن نعيش لحظات الآن ، والآن فقط ، بكل تجلياتها من أجل خطوات آتية مختلفة ؟
لحظة الصفاء مع الذات هذه ومحاسبتها هي نفسها كانت في (عن إيلي) ثم في (انفصال نادر وسيمين) لتتركز الثيمة نفسها مرة أخرى في (الماضي) فيلم أصغر فرهاد المملوء عاطفة ورقة عن علاقاتنا الإنسانية .
فرهاد هو المخرج الذي يبدو أنه خرج من سطوة سينما العراب كياروستامي ليصنع سينما إيرانية مختلفة تغوص عميقاً داخل الروح الإنسانية وعلاقات البشر المتقاطعة ، هكذا ببساطة يقحم أحمد مرغماً في علاقة ماري الجديدة وتدهور علاقتها مع ابنتها الكبرى لوسي ،أحمد القادم من إيران تحت إلحاح زوجته ماري المقيمة في فرنسا لإنهاء  أوراق الانفصال الرسمية بينهما ، ولتبدأ حياة جديدة مع سمير الذي هو الآخر تدهورت حياته بعدما وجد نفسه داخل منظومة الوحدة والاغتراب الذاتي  إثر محاولة زوجته الفاشلة بالانتحار ، حيث تذهب في غيبوبة لا رجعه بعدها للحياة، وسط هذه العلاقات المتشابكة تجد كل شخصية وكأنها مربوطة بخيوط نحو ماضيها ، خيوط تشل حركتها وتوقف تطلعاتها المستقبلية بحياة مستقرة ، هذه الإعاقات تجبرها على الخديعة والكذب على الأقل كي تتستر على الحقائق ولو مؤقتاً من أجل وهَم الاستقرار.
هذه المرة يحاول فرهاد إبعادنا عن واقعه الإيراني الجغرافي ليصنع فيلما بواقع إيراني وبأحداث متجردة من الزمكانية ،فهي ممكن أن تجري في أي وقت وفي أي بلد ولأي أشخاص، فيلماً ينتمي لسينما الإنسان وبحثه الدائم عن احتواء علاقته مع الآخر ، الآخر بمعناه الشخصي والعام .
مشاهدة فاحصة للفيلم تكشف لنا أن فرهاد أراد أن يبدأ فيلمه هذا من لحظة نهاية فيلمه السابق (انفصال) ، فلحظة الفصل والانقسام بين نادر وسيمين في مشهد النهاية بالمحكمة تتجلى هنا بوضوح لحظة وصول أحمد إلى مطار باريس حيث تنتظره ماري ، يتحاوران معاً عبر قاطع زجاجي ، مشهد البداية هذا يحيلنا مباشرة للقطيعة والانفصال بين الشخصيتين وانقسامهما ، أيضاً ماري هي نفسها سيمين التي أرادت الانفصال عن نادر والعيش في فرنسا مع ابنتها بعيداً عن جو إيران الخانق ، ونادر المتمسك بوجود حياته في وطنه حيث أن هنالك ما يستحق أن تبقى من اجله حتى لو كان الواقع الفعلي لا يسعد الإنسان ، وكأن فرهاد يتمم لنا حكاية نادر وسيمين باختلاف الأسماء لتصبح أحمد وماري.
حاول فرهاد صنع فيلم  أشبه بأفلام السينما الفرنسية – وهو إنتاج فرنسي ناطق بالفرنسية- بإيقاع هادئ ،رقيق ، وديناميكة بالتشويق ، كاشفاً لنا من مشهد إلى آخر،عن تفاصيل جديدة من الحكاية التي تشدنا لمتابعة الصراع القائم بين الشخصيات.
 أصغر فرهاد بدا كما في أفلامه السابقة مسيطراً تماما على أدواته ، وأداء ممثليه وعلى كل التفاصيل الصغيرة،والتحكم في الإيقاع،متخلصا من الوقوع في التكرار، ليقدم قراءة إنسانية أخرى عن واقعنا وعلاقاتنا بعيداَ عن الزمان والمكان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram