اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > المدينة في العراق وذوو الاحتياجات الخاصة

المدينة في العراق وذوو الاحتياجات الخاصة

نشر في: 17 يناير, 2014: 09:01 م

للحديث عن هذه الفئة من المجتمع تستخدم مصطلحات عدة لإيضاح طبيعة هذه الاحتياجات مثل ذوي الاحتياجات الخاصة Persons with Special Needs أو محدودي القدرة Disability أو محدودي الوظائف FunctionalDisabled ، أما المصطلح القديم Handicap الذي يعني العاجز أو المع

للحديث عن هذه الفئة من المجتمع تستخدم مصطلحات عدة لإيضاح طبيعة هذه الاحتياجات مثل ذوي الاحتياجات الخاصة Persons with Special Needs أو محدودي القدرة Disability أو محدودي الوظائف FunctionalDisabled ، أما المصطلح القديم Handicap الذي يعني العاجز أو المعاق فقد تخلت كثير من المجتمعات عنه لما فيه من إيحاء وأثر نفسي سلبي على هؤلاء الأشخاص – عادة ما يكون هؤلاء أكثر حساسية من غيرهم تجاه هذه المفردات - .
ليس من اليسير الحصول على إحصاءات واضحة لعدد ذوي هذه الاحتياجات ،ولكنه من المؤكد كبير في ظل الظروف الراهنة. تقدر إحصاءات الأمم المتحدة عدد ذوي الاحتياجات الخاصة بحوالي البليون ،أي مايقارب سبع عدد سكان العالم، وإذا ما جرت هذه النسبة على سكان العراق فإن هناك مايقارب 5 ملايين شخص هم من يمثل هذه الفئة. وإذا ما استخدمنا المصطلح السابق فإن هناك مايقارب 5 ملايين معاق أو عاجز في العراق.
تتوزع أنواع هذه الإعاقات على مدى واسع ومتباين ،فمنها ماتكون بدنيةPhysical or Physiological كالشلل والعمى والعرج والطرش والخرس أو فقدان أحد أعضاء الجسد وما إلى ذلك، ومنها ماتكون عصبية Neurological كبعض أنواع الشلل والصرع وتصلب الأنسجة وآثار السكتة وفقدان المركزية في الجهاز العصبي Parkinson’s disease وغيرها، ومنها ماتكون عقلية Mental كالتوحد Autismوالانفصام Schizophrenia ، ومنها ماتكون طبيةMedical كالعجز القلبي والسكّر والربو وغيرها، وحالات أخرى كثيرة، كما تختلف درجة وشدّة كل من هذه الحالات أو نسبة العجز، كما تختلف في مدة حدوثها فقد تكون دائمية ملازمة أو مؤقتة قابلة للعلاج أو متكررة الحدوث، وقد تختلف كذلك في سبب حدوثها ،فمنها مايكون طبيعيا ً ومنها ما يكون نتيجة لحوادث متعمدة كالحروب والجريمة والإرهاب، ويتصدر العراق في تعداد هذا النوع الأخير من الإعاقات الصدارة في العالم حاليا ً بجدارة.
كما يشمل ذوو الاحتياجات الخاصة حالات أخرى غير مرضية ككبار السن وما يفرضه العمر عليهم من حدود كالبطء في الحركة والصعوبة في النظر والسمع والتأخر في رد الفعل تجاه المؤثرات المختلفة في النسيج الحضري للمدينة وضعف الذاكرةDementia وغيرها، وكذلك الأطفال وماتفرضة طبيعة أجسامهم ومقياسهم وطريقة تصرفهم في بيئات مختلفة .
يتوسع التخطيط الحضري المعاصر في مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة ليشمل حالات أخرى لا حصر لها لا تقتصر على الأشخاص الذين تم ذكرهم، وإنما تشمل كل أفراد المجتمع بلا استثناء، فكلنا نصبح معاقين في حالات معينة.
ـ الأم حين تحمل طفلها تصبح معاقة وتفقد قدرتها على الحركة بنفس إمكاناتها الأولى، وهي حالة أشد تعقيدا ً من كل سابقاتها إذ تشتمل على فردين غير قادرين بمقياسين مختلفين، الأم والطفل.
ـ المرء حين يعين معاقا ً آخر أو مريضا ً أو ما شابه يفقد بعض إمكانات جسده مؤقتا ً على قدر هذه المعونة.
ـ المرء حين يحمل حاجياته أثناء التسوق أو أي حالة مشابهه يفقد إمكانية استخدام يده وتتغير خواص جسده في الحركة والتوازن وغير ذلك.
ـ كل أفراد المجتمع يصبحون غير قادرين – ولنقل معاقين – عن الحركة بشكل طبيعي في ظروف مناخية معينة، حين يسقط المطر وتصبح الأرض زلقة أو مبتلة أو وحلة أو مغرقة تماما ً، ولعل أهل بغداد أدرى بهذا الأمر في أيامهم هذه. أو حين هبوب العواصف الترابية أو الرملية وغيرها ،إذ تصبح الرؤية صعبة والتنفس متعبا ً، وهو أمر آخر قد أعتاد أهلنا في العراق عليه. أو حين يصبح حر الصيف خانقا ً أو برد الشتاء قارسا ً ويكون الاختلاف في درجات الحرارة بين الشارع والبيت لا يطاق. أو حين يكون سطوع الضوء Brightnessبين الداخل والخارج في أجزاء المدينة مؤذيا ً إلى حد الانبهار Dazzle أو العشو المؤقت، وحالات أخرى كثيرة.
ـ حين يكون مستوى الصوت في المدينة أعلى مما تحتمله الأذن البشرية فيفقد معها المرء قدرة السمع وإمكانية استخدامها وخصوصا ً لمن عنده عجز في حواس أخرى. تستطيع الأذن البشرية احتمال الأصوات بحدود 100 ديسيبل ،وإذا ما زاد مستوى الصوت عن ذلك فقد يسبب اضطرابات عصبية. يؤكد المخطط الدانماركي Jan Gehl أن أي محادثة عادية بين اثنين لا يمكن أن تسمع في مستوى أعلى من 60 ديسيبل وهو يوصي بخفض مستويات الصوت في المدن إلى 45-50 ديسيبل.
وهناك حالات كثيرة غير هذه. وللحديث عن ذوي الاحتياجات الخاصة ودور التخطيط الحضري في تأمينها تبرز عدة مفاهيم مهمة يستخدمها المخطط في عمله للوصول إلى نتائج مقبولة منها:
ـ التمكين Accessibility أو الوصول أو الإتاحة وهو المفهوم الذي يدرس إمكانية التحوير والتغيير والتعديل وكذلك التصميم لأي منتج في المدينة بما فيه المدينة ذاتها من أجل إيصاله إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين والمستفيدين بأكثر الطرق بساطة ويسر مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة أفراد المجتمع وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة.
يدرس هذا المفهوم مثلا ً سيولة الحركة في المدينة وخاصة مسارات المشاة التي يستخدمها كبار السن وغير القادرين الذين يجلسون على كراسي المقعدين والنقاط الحرجة والتقاطعات الخطرة في شبكة الحركة Circulation Network وكيفية جعلها قابلة للاستفادة من قبل ذوي الاحتياجات الخاصة أو غيرهم مع التأكيد على عامل الأمان Safety ، وكذلك يدرس تجهيز هذه الأجزاء من المدينة بالمعدات اللازمة لتنفيذ هذه المهمة على أحسن وجه من دون أن يكون هؤلاء الأشخاص في حاجة إلى مساعدين شخصيين Personal Assistants والتي تعد من أكثر المشاكل الاقتصادية المكلفة لبلديات المدن الكبرى في تأمين الخدمات الصحية والاجتماعية Health & Social Care . 
وطبق هذا المفهوم يقوم المخطط الحضري بمسح شامل للمدينة لتأمين سيولة الحركة هذه ولحل الحركة العمودية Vertical أيضا ً في المدينة وفي المباني أيضا ً وعدم الاكتفاء بالحلول التقليدية كوضع سلالم فقط ،ولابد من إضافة وسائل أخرى مناسبة – على سبيل المثال هناك عدة نقاط في مدينة ستوكهولم عمد المخطط الحضري إلى إضافة مصاعد كهربائية متاحة للاستخدام العام لحل مشكلة الاختلاف في طبوغرافية الأرض وعدم الاكتفاء بالسلالم - . 
يتعدى هذا المفهوم إلى دراسة الأجهزة والمعدات والوسائل التي يستخدمها عامة الناس وبالخصوص ذوي الاحتياجات الخاصة.
ينتهي هذا المفهوم إلى وضع معاييرStandards وشروطConditions معينة لكلتا عمليتي التصميم المعماري والتخطيط الحضري، وهو في الواقع نتيجة لمحاولة جعل المدينة أكثر إنسانية أو كما يسمى أحيانا ً بأنسنة المدينةCity Humanization قبل أن يكون محاولة للاستجابة لمتطلبات أفراد المجتمع المديني بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة.
إن أي عملية مسح من هذا القبيل لأي مدينة في العراق سيشير بوضوح إلى فشل هذه المدن في تمثيلها لهذا المفهوم الذي لا يكاد يكون له وجود يذكر حتى في أكثر الأحياء السكنية رقيا ً وأكثر المناطق التجارية والسياحية رفاهية ً. إن جولة مختصرة لأي أم تضع طفلها في عربته ستظهر مدى فشل مدننا في العراق بلا استثناء في تأمين سيولة الحركة لهذه الأم دون عوائق وتوقفات - هذا إذا كان ممكنا ً أصلا ً-. وأن أي انتقال في مراكز مدننا لأي شخص فاقد لسمعه أو بصره سيظهر بوضوح فقر هذه المدن لكل المعدات والتجهيزات والإشارات التوضيحية اللازمة لتيسير انتقاله هذا.
تصمم أرصفة الشوارع وتنفذ في مدن العراق بطريقة متقطعة بارتفاعات مزعجة وهي تحدد وتعرقل حركة المشاة عموما ً في حين أن المفترض أنها توجد لخدمتهم وتسهيل حركتهم.
وترتفع مداخل المباني عموما ً والدور السكنية خصوصا ً بمسافات لا يمكن لكثير من أفراد المجتمع تجاوزها من دون مساعدة أو على الأقل من دون جهد كبير لاداعي له أساسا ً.
يفتقر الكثير من المباني العامة – وهي تسمى عامة على افتراض قابلية استخدامها من قبل العامة – كالدوائر الرسمية والمباني التجارية والصحية وحتى دور العبادة والأضرحة إلى الكثير من التسهيلات التي تيسّر الحركة والدخول وتؤمن العزل الصوتي والحماية البصرية وكذلك سلامة المستخدم، مما يجعلها في الواقع مباني غير ( عامة ).
وبعبارة أخرى فإن مسحا ً عاما ً لمدننا في العراق باستخدام مفهوم الإتاحة والتمكين يظهر لنا بوضوح ضعف مدننا عامة وفشلها في أن تكون مدنا ً " إنسانية ". 
ـ الحركة والعمل وعلم دراستهما خلال البيئة Ergonomicsوهو العلم الذي يدرس علاقة الإنسان ببيئته ابتداءً من أصغر الأجهزة والمعدات إلى المباني ووسائل النقل ووصولا إلى المدينة كلها، وكيفية الحركة والعمل بشكل صحي سليم ومريح بعيدا ً عن الأضرار التي قد تنجم عن سوء التصميم في كل من هذه المكونات.
وهو الآخر يمكن اتخاذه كأداة مسح شامل لمدى جودة ما نخطط ونبني ونؤثث ونصمم ونستعمل ونستهلك ، وتقييم الكثير من المكونات التي نستخدمها التي يبدو ظاهرها أنيقا ً لكن التعامل معها قد يؤدي إلى الإضرار بالإنسان جسديا ً أو حتى نفسيا ً وفي أحيان كثيرة قد يؤدي إلى إصابات مزمنة مستعصية العلاج.
إن معظم أثاث المدينة City Furniture في العراق – هذا إن وجد – كالحواجز والعوارض ومصطبات الجلوس ومواقف الباصات وإنارة الشوارع وغيرها، وكذلك وسائط النقل العام والخاص المستخدمة، إضافة إلى الأثاث الداخل في المباني كمقاعد الجلوس في المدارس عموما ً والأثاث المستخدم في مؤسسات الدولة وفي المراكز والمحال التجارية وأثاث الحدائق العامة والمطاعم والمقاهي وغيرها، كلها إذا ما تعرضت إلى مسح من قبل هذه الأداة Ergonomics فإنها لاتصمد أمام المعايير العلمية القويمة المبنية على المعرفة الصحيحة بالإنسان واحتياجاته في كل مراحل حياته فضلا ً عن أولئك ذوي الاحتياجات الخاصة.
ـ التصميم العام أو الجامع Universal Design وقد يسمى أحيانا ً بالتصميم من أجل الكل Design for Allوهو العلم الذي يدرس إمكانية تصميم أو إعادة تصميم المدينة والمباني ومكوناتها والبيئة عموما ً بما يضمن قابلية استخدامها من قبل أكبر عدد ممكن، أو من قبل الجميع مع أنه هدف صعب التحقيق. وهي عملية قد تكون معقدة وصعبة جدا ً ، أي إعادة صياغة كل شي لكي يتلاءم مع متطلبات العموم ويرتبط هذا العلم بشكل وثيق بمفهوم التمكين والإتاحة. 
قد لا يمكن اعتبار هذا المفهوم أداة لمسح جودة المدينة كالمفهومين السابقين ولكنه أداة لصناعتها وخصوصا ً حين يتعلق الأمر بالأماكن العامة. وقد يلاحظ ان هذا المفهوم استخدم ويستخدم في مدننا في العراق وإلى حدود متطرفة أحيانا كتكرار التخطيط الحضري لأحياء كاملة أو إعادة بناء مبنى بكامله دون النظر لخصوصيات أخرى، غير أن هذا الأسلوب المستخدم مازال مبنيا ً على معايير ومقاييس خاطئة لا تتناسب مع الإنسان وحاجاته الفعلية ومع البيئة ومتطلباتها ،ومازال هنالك الكثير من الأخطاء الواضحة تنفذ وتكرر مرارا ً دون محاولة تصحيحها أو تلافيها.
هناك مفاهيم عديدة أخرى تعالج حاجات هذه الفئة الضعيفة من المجتمع ،وقد مرت عقود عديدة الآن على كثير من مدن العالم وهي تعيد نصابها لتمنح هذه الفئة حقها في الحياة وفي الحركة، غير أن مدننا في العراق مازالت تبعد بعدا ً شاسعا ً من أن تكون مستعدة لتغيير بعض ما فيها لتلبية حاجاتهم بل وحتى الالتفات إليهم على الرغم من ضخامة نسبتهم فينا وتزايدهم يوما ً بعد يوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ميران العلي

    سيدي قلبي يتفطر الما لمعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق الذين لا تنصرف اهتمامات مسؤولينا لهم ويؤسفني انني لست متفائلا بما ستؤول اليه الاحوال لاسيماان جهلاءنا يمسكون بزمام الامور وقديما قيل: لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم ولا سراة لهم ان جهالهم سادوا

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram