في ظل الصمت الأردني الرسمي المُقلق، تمضي المحادثات شبه السرية بين العاهل الأردني، والمسؤولين الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين، المعنيين بإيجاد مدخل إلى تسوية "تاريخية" للقضية الفلسطينية، بات واضحاً أنها تأخذ بالاعتبار مصلحة الدولة العبرية فقط، وتتجاوز مصلحة الشعبين الفلسطيني والأردني على وجه الخصوص، وتمنح إسرائيل اليوم شرعية احتلالها لما تبقى من فلسطين، وغداً لأية أرض عربية تفكر بالتمدد فوقها، تحقيقاً للحلم الصهيوني بإقامة إسرائيل الكبرى، بينما الأمة غافلة أو منشغلة، عن ما يجري عبر ضفتي نهر الأردن، وتلك هي الطامة الكبرى والبلاء الأعظم.
لم تمنع السرية التي تتم فيها المحادثات، بعض السياسيين المحافظين من رفع أصواتهم المُحذرة من صفقات تتم تحت الطاولة، رغم أنها تستثير القصر الملكي، حيث دعا رئيس وزراء سابق إلى ضرورة أن يكون الأردن حاضراً ومشاركاً في أية مفاوضات مقبلة لحماية مصالحه العليا، ما يعني عدم الثقة بما يجري التفاوض عليه، ويعني رفض تفرد القصر الملكي بالقرار، دون الرجوع للحكومة التي يفترض أنها صاحبة الولاية العامة، بينما يحصن الدستور الملك من أية تبعات، وحين يحذر زيد الرفاعي، القطب الرسمي المحافظ، من أية مفاوضات قد تمس الأردن، فيما يصرح نجله وهو أيضا رئيس وزراء سابق، بقلقه من دخول الأردن على خط مفاوضات، قد يثمر قرارات لا تصب في مصلحة القضية الفلسطينية، فإن ذلك يعني أن قلق المواطنين مشروع، ومطلوب تأطيره في عمل سياسي واضح، يضع الأمور في نصابها الصحيح.
يصل القلق إلى مستويات أعلى وغير مسبوقة، حين يُحذر رئيس سابق لمجلس النواب من اهتزاز البنى الاجتماعية في المدن والأطراف، ويؤكد ضرورة أن لا يؤدي ذلك إلى هزّ الدولة وتماسكها، وقدرتها على التصدي للاستحقاقات الخارجية، ويعني هذا أن المطروح من الحلول يغفل حق عودة اللاجئين وتوطينهم في الأردن، ما يُخل بالمعادلة الديموغرافية، ويجر البلاد إلى حال من التطاحن، بين الفلسطينيين الذين سيحصلون على حق المواطنة الاردنية كاملاً، بما في ذلك الحقوق السياسية، والأردنيين الذين يشعرون سلفاً بأن هناك من سينافسهم على مكتسبات، تمتعوا بها منذ اتخذ الملك الراحل الحسين قرار فك الارتباط مع الضفة المحتلة، بناءً على رغبة وإصرار منظمة التحرير الفلسطينية.
لم يعد هناك شك بأن واشنطن تُطالب عمان بالاعتراف بيهودية إسرائيل، وهذا مطلب إسرائيلي أساسي للوصول إلى أي حل محتمل، صحيح أن الرئيس الفلسطيني أعلن رفضه للأمر، لكن الصحيح أيضاً أنه كان أعلن عند العودة للتفاوض أن المفاوضات ستكون سرية، ما يعني أن على المواطن الأردني والفلسطيني انتظار النتائج للمصادقة عليها، وإذا كان عباس أوفد واحداً من مساعديه لطمأنة الساسة الأردنيين، فإن هؤلاء أكدوا له طبيعة الهواجس التي تنتابهم نتيجة غموض اﻟوضع، وخشيتهم من الآثار التي قد تترتب على المصالح الأردنية، خصوصاً وأن خطط كيري تؤيد الوجود الإسرائيلي العسكري في غور الأردن، ودفع تعويضات للاجئين، وما يشبه الرشوة للأردن، بمنحه تعويضات بدل استضافتهم، ما يعني أخيراً توطين ما يقرب من مليوني فلسطيني على الأرض الأردنية، بمن فيهم اللاجئون في سوريا ولبنان.
وبعد، فإن ما يجري وراء الكواليس يستدعي وقفة جادة، تتجاوز إنشاء مجلس طوارئ يخضع لإرادة الملك، ويبحث المصلحة الأردنية من ملفات اللاجئين، وحق العودة، واﻟﺘﻌوﻳﺾ، واﻟﺤدود، والقدس، وما يمكن أن تطلبه عمان من تعويضات مالية، إن هي منحت الجنسية لأبناء قطاع غزة ومن هم في حكمهم، وقفة يقول فيها الأردنيون والفلسطينيون كلمتهم بعيداً عن أية تابوهات محرم الاقتراب منها، خصوصاً مع تأكيد نتنياهو بأنه من أجل التوصل إلى اتفاق فإنه يجب الاعتراف بيهودية إسرائيل، وإنهاء الصراع.
مفاوضات غامضة وقلق مشروع
[post-views]
نشر في: 17 يناير, 2014: 09:01 م