TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > تساؤلات بشأن إسلامية المعرفة

تساؤلات بشأن إسلامية المعرفة

نشر في: 15 نوفمبر, 2009: 03:09 م

عبد الجبار الرفاعي منذ ظهور التفكير الفلسفي تمحورت جهود الفلاسفة والباحثين في الفلسفة حول قضايا (المعرفة) و(الوجود) و(القيم). وقد سبق نضوج الوعي الفلسفي ظهور الحركة السوفسطائية التي أشاعت نوعاً من الاستدلال المخاتل،
الذي يبتنى على (ان المعرفة نسبية وليست مطلقة، وان لكل قضية جانبين يناقض أحدهما الآخر، ولا شيء أصدق من شيء، لكنه قد يكون أفضل منه بالقياس الى منظور الفرد) حسب ما يقول أحد إعلامها (بروتاغوراس). فكانت المشكلة المركزية لها مشكلة معرفية، ويعود الفضل للفيلسوف الأثيني سقراط ثم تلميذه أفلاطون ومن بعدهما أرسطو في تحرير الوعي اليوناني من سطوة هذه الحركة التي أشاعت الاضطراب في الرؤية والشك والارتياب وفي العصر الوسيط نقض القديس اوغسطين دعاوى الشكاك الذين ذهبوا الى عدم قدرة العقل للوصل الى حقيقة مطلقة، فدلل على ان هناك حقيقة مطلقة لا يرقى اليها الشك. وكانت قضية المعرفة من ابرز القضايا التي واكبت الفلسفة منذ مطلع التفكير الفلسفي، وظلت على الدوام واحدة من المشاغل المركزية للعقل الفلسفي، كما نلاحظ في التراث الفلسفي للعصر الهيلنستي، والمدارس التي سادت فيه (المدرسة الابيقورية، المدرسة الرواقية، مدرسة الاسكندرية)، والعصر الوسيط، مع (آباء الكنيسة) و(الفلسفة المدرسية) و(الاسمية). ومنذ بداية عصر النهضة طغت مسألة المعرفة في التفكر الفلسفي الغربي على غيرها من مشاغل الفلسفة، وأصبحت هي القضية الأساسية، وما سواها من قضايا تتفرع عليها، ذلك ان المقولات والأفكار والمؤلفات المهمة في هذا العصر وما تلاه، اهتمت بالدرجة الأولى بالمعرفة وقواعد التفكير المنطقي السليم، كما نلاحظ في (الاورغانون الجديد) لفرنسيس بيكون، الذي يتناول أسس الاستقراء والمنطق التجريبي، و(الكوجيتو) الذي عرضه ديكارت في كتابه (مقال في المنهج). وفي عصر التنوير واصل الفلاسفة في مؤلفاتهم الاهتمام بمسألة المعرفة واعتبارها المسألة الأهم، مثلما نجد في كتاب جون لوك (محاولة في الإدراك الإنساني)، مروراً بكتاب (نقد العقل المحض) للفيلسوف الألماني عمانوئيل كانت، ثم الاتجاهات الفلسفية في القرن التاسع عشر، الى المدارس والحلقات الفلسفية في القرن العشرين، وأشهرها (حلقة فينا) التي أرست مرتكزات (الوضعية المنطقية) وبشرت بـ (التصور العلمي للعالم) من خلال مجلتها (المعرفة)، وسادت مقولاتها عالمياً في النصف الأول من القرن العشرين، ولما تزل رؤاها مصدر إلهام فلسفة العلم ومناهجها المتنوعة حتى عصرنا الراهن. المعرفة عند الإسلاميين بدأ الوحي الإلهي بخطاب (اقرأ) وتكرر الامر بالقراءة في الآيات الأولى التي خوطب بها النبي، واقترن الأمر بالقراءة بصفة العلم للباري تعالى (علم الإنسان ما لم يعلم)، وتعليمه بالقلم (الذي علم بالقلم)، وكل ذلك يرمز الى ان قضية المعرفة والعلم تمثل بوابة تنفتح عنها كل قضايا التفكير الديني وغيره من ألوان التفكير الأخرى. وتكرر تداول مصطلحات (العلم، المعرفة، الإدراك، الفكر، التذكر، الفقه، العقل، الدراية، الحكمة، الشعور) ومشتقاتها في القرآن الكريم، فمثلاً ورد لفظ (المعرفة) ومشتقاتها في (71) واحد وسبعين موضعاً. وبالرغم من ان المحور المركزي للبحث والتفكير في الفلسفة الإسلامية هو (الوجود)، لأن الحكمة الإلهية كما وسموها، هي (علم يبحث فيه عن أحوال الموجود بما هو موجود) غير ان الفلاسفة المسلمين عالجوا حقيقة العلم والمعرفة، وأنواعها ومراتبها، ومصادرها، وحكايتها عن الواقع وقيمتها، وغير ذلك، في مباحث (النفس، والعقل والعاقل والمعقول، والمقولات، والكلي، والوجود الذهني)، وان لم يفردوا باباً خاصاً بمباحث المعرفة في مؤلفاتهم. وهكذا اهتم بقضية المعرفة علماء الكلام والمتصوفة والعرفاء، فبينما اعتبر المتصوفة المعرفة حالة ذوقية وجدانية مصدرها القلب والحدس والشهود، وان العلم يتحقق بلا واسطة. ترسَّمَ المتكلمون أسلوب الجدل، وتوسلوا للتدليل على مدعياتهم بالمظنونات والمشهورات والمسلمات، واعتمدوا المنهج العقلي تارة، والمنهج النقلي تارة أخرى. المعرفة عند الإسلاميين في العصر الحديث كان الشيخ محمد عبده من أوائل الذين أشاروا الى طبيعة المعرفة في الإسلام ومصادرها، وتلاه الشيخ مصطفى عبد الرازق في كتابه المعروف (تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية)، ومن بعده تلميذه الدكتور علي سامي النشار في (مناهج البحث عند مفكري الإسلام) و(نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام)، لكن الجهد المميز في هذا المضمار هو جهد محمد إقبال في (تجديد التفكير الديني في الإسلام) الذي درس بعمق طبيعة المعرفة الدينية، وتجليات التجربة الدينية، والحيز الذي تحتله المعرفة الذوقية الشهودية في المعرفة الدينية. ويمكن القول ان كتاب (أصول الفلسفة والمنهج الواقعي) الذي ألفه السيد محمد حسين الطباطبائي، وكتب تعليقة موسعة عليه تلميذه الشيخ مرتضى المطهري، هو أول كتاب في الفلسفة الإسلامية الحديثة يخصص مساحة واسعة لبحث (المعرفة). فبعد ان فرغ الطباطبائي في المقالتين الأولى والثانية من بيان (معنى الفلسفة وحدودها، والعلاقة بينها وبين العلوم الطبيعية والرياضية) دشن بحثه بنظرية المعرفة، وأولاها أهمية متمي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram