TOP

جريدة المدى > عام > المرزوك.. صباح الحلّة المترع بالعافية الثقافية

المرزوك.. صباح الحلّة المترع بالعافية الثقافية

نشر في: 18 يناير, 2014: 09:01 م

ربما , كان من حُسن حظنا نحنُ المُثقفين الشباب أن نكون أبناءً لهذهِ المدينة الطيبة " الحلة " . فمن دواعي الفخر أن يُرمز لها برموز كِبار , استطاعوا أن يختصروا المشهد الثقافي العراقي برمتهِ في ذواتهم المُكتنزة ثراءً إبداعياً كان لنا نصيب منه , على شكل ن

ربما , كان من حُسن حظنا نحنُ المُثقفين الشباب أن نكون أبناءً لهذهِ المدينة الطيبة " الحلة " . فمن دواعي الفخر أن يُرمز لها برموز كِبار , استطاعوا أن يختصروا المشهد الثقافي العراقي برمتهِ في ذواتهم المُكتنزة ثراءً إبداعياً كان لنا نصيب منه , على شكل نصيحة منهم لنا في يومٍ ما ونحنُ مازلنا في أول الطريق , واحتضان وتبني في ما بعد بعدما اشتدت العود كما شخصوا هُم رُغم ما صادفنا من مواقف للبعض ممن حاول ومازال يُحاول تهميشنا وإقصاءنا للأسف . على عكس كبار المشهد الثقافي البابلي كالدكتور صباح نوري المرزوك , الذي ما انفكّ يشدُ من أزرنا ويدعمنا , ويوجهنا , ويُعرّف الآخرين بنا . وهذهِ بعضٌ من خِصالهِ الحميدة .
أفتخرُ أني من مدينةٍ يُرمزُ لها بمحمد مهدي البصير , طه باقر , علي جواد الطاهر , قاسم عبد الأمير عجام , ناجح المعموري , موفق محمد , صباح نوري المرزوك، والقائمةُ تطول وتطول . أفتخر اليوم وأنا أتكلم عن هذا المرزوق بكُل هذا الثراء , والعطاء , والإنسانية , وهذهِ القُدرة على الإبداع . صباح نوري , الدكتور المرزوك , مُلملم نتاج الآخرين في كُتبهِ , بيبلوكرافياً أميناً حد الثمالةِ على ما يؤرشف , عارفاً بكُل ما يصدر ويُطبع من أثرٍ كتابي عراقي , ذي علمية في نهجهِ وما أنتج . لم ينتظر وهو الغزير تأليفاً , كلمة شُكرٍ من أحد , ولا هدف مادي أو غيرهِ , بل كان على الدوام مُلتحفاً بالهم المعرفي والثقافي النبيل . فهو من جمع المؤلفين والكُتاب العراقيين بين دفتي كتابهِ , وهو صاحب كتاب شعراء الحلة , وهو مُشخص النهضة الأدبية والفكرية فيها , وهو من جعل للسياب مكتبة تضم كُل ما كُتب عنه , ولنازك الملائكة , وغيرها من المؤلفات . حتى عامهُ البحثي الذي قضاهُ في جامعة أنقرة بتركيا , لم يدعهُ يذهب هكذا , حيثُ عاد المرزوك إلينا وهو يحمل في جعبتهِ عددا من المؤلفات التي سترى النور قريباً وهي مطبوعة .   
أفتخرُ , لا بل أشعر بالزهو والفخرِ معاً , وأنا أتكلم عنك يا أُستاذي الجليل , يا من أهديتني أجمل هديةِ في حياتي , أخي الذي لم تلدهُ أُمي , عامر فشُكراً لك ولهُ على هذهِ الرفقة الطيبة التي أدعو الله أن يُديمها بالمعروف .
وجدتُ لِزاماً عليَ اليوم أن أبوح بما يدور في خاطري عن مرزوك الحلة وصباحها المُترع بالعافيةِ الثقافية  الذي رحل عنا , أبوحُ بذلك التساؤل المشروع المُغلف بالدهشة لما وجدتهُ عند الدكتور المرزوك من شغفٍ كبير وولعٍ جميل في الحرص على اقتناء الكتاب . صحيح أننا نمتلكُ قدراً من الرغبة في تملك كِتاب , لكن وهذا شيء مؤكد , ليس مثل ولع المرزوك بالكتاب . وأزعم أن تعلقهُ بهِ يشبه إلى حد كبير تعلق المحب بحبيبه . هكذا وجدتُ علاقة الدكتور المرزوك بالكتاب , وجدتُ الحرص , والصبر والمُجالدة في استحصال المطبوع ( كتاب / مجلة / جريدة ) أياً كان شكل ونوع هذا المطبوع . تجد أبا عامر يحرص , وأُؤكد على هذهِ المُفردة " الحرص " فهو وحدهُ من اشتمل عليهِ . وتزداد دهشتي أكثر عندما أعلم أن في هذا الزمن هُناك من يحث الخُطى في سبيل الحصول على آخر وأحدث الإصدارات ومن أي مكان , لا بل من الغرابة , لا بل أقول من النادر والاستثنائي أن يحرص أحدنا على وضع شخص في كُل مدينة من مُدن العراق كأن يكون أحد أصدقائهِ ومن أبنائها , لكي يُراقب عملية إصدار الكُتب فيها ويحصل لهُ على نسخ من هذا الكِتاب أو تلك المجلة الصادرة حديثاً , كما يفعل صباح الحلة المُترع بالعافية الثقافية الدكتور المرزوك . ولا آتي بجديد , عندما أقول إن اشتمال المرزوك على جميع مُقومات هذا التوصيف الآنف الذكر , لم يأت من فراغ . أبداً . ...لم يأت . فقد حرص ( رحمهُ الله ) على تثقيف نفسهِ وتعميدها بإنسانية مُعتقة , مرهفة , صادقة , نبيلة , استطاع بفعل امتلاكه لها أن يكون حاضنة لجميع مثقفي هذهِ المدينة وغيرهم , وما بيتهُ إلا قبلة للجميع من أُدباء ومُثقفين . فمن استطاع أن يفعل ذلك سواه  . لزاماً عليّ هُنا وأنا أكتبُ شهادة بحق الراحل الدكتور صباح نوري المرزوك , أقول عندما كُنتُ أزور مدينة من مُدن العراق وألتقي بجمعٍ من مُثقفيها وأُدبائها , لا بُد وأن أجد من يسألني عنهُ , أو من يُحملني تحياتهِ وسلامهُ له , وعلى الأغلب , كان هُناك من يُرسل بيدي نسخة من كِتاب , أو مجلة كي أُوصلهُ للدكتور , ولأنه يحرص كعادتهِ على ترك بصمتهِ وأثرهِ الواضح في المشهد الحياتي والثقافي للحلة , آثرَ إلا أن يُهديها مُبدعاً يُشارُ لهُ الآن بالبنان في الثقافة العراقية , ذلك هو ولدهُ عامر  .
سلاماً على صباح الحلة المترع ..
ثقافة وعلماً وخلقا وإنسانية ونبلاً.
سلاماً .. على المرزوق محبة ....
سلاماً ..
سلاماً.. يا أبا عامر
حبيبي ..أخي .. عامر .. مُصابكَ .. هو مُصابي ..ألمكَ .. هو ألمي فقدانكَ للوالد . .. هو الألم والفجيعة التي حلتْ بنا جميعاً ..صباح نوري المرزوك .. أبا عامر .. الأستاذ .. الدكتور .. المُربي .. الحنون .. إلى جنات الخُلد أيها الكبير في كُل شيء ..عزاؤنا ... أنكَ تركتَ فينا ..وبيننا عامر .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram